ما هذا التناقض أذن في تفكير هؤلاء الرجال؟ أنه كما يقول المؤرخون عصر الشك في المعتقدات عند الغربيين. وإذا نظرنا إلى هؤلاء الكتاب وجدنا بعضهم يصدر عن تعصب لدينه المسيحي، وبعضهم يذهب به التعصب للدين إلى حد أن يهاجم ما عداه. وهؤلاء خير من آخرين ملحدين لا يؤمنون بالأديان جميعاً، ولكنهم إذا لا يستطيعون أن يهاجموا دين بلادهم الرسمي ويستعدوا سلطاتهم الدينية فهم يتطاولون على الإسلام ولو لم يعرفوه. والجميع مما نمر بآرائهم عابرين لا يستوقفنا إلا نزاهة البعض واعتداله في تقدير الأمور.
والألمان خصوصاً خير من يتعرض للدراسات الإسلامية بروح علمي لا يشوبه تعصب أو تطرف. وآخر من قرأت له من هؤلاء في ترجمة فرنسية ظهرت أخيراً لكتابه (محمد: حياته ونظريته) الذي نشره جان جود فروى دي مومبين بإشراف معهد الدراسات الإسلامية بجامعة باريس العلامة تور أندريه الأستاذ بجامعة أوبسال الذي حمل المثقفين (في كتابه ظهور الإسلام) على الاعتراف بأن دراسة الإسلامًً تفتح آفاقا جديدة لتطور العقل البشري - كما يقول المؤرخون.
وليس في كتابه (حياة محمد ونظريته) أجمل من تعليله السيكولوجي لتحامل الغربيين على التاريخ الإسلامي. فهو يرجع هذا التحامل لا إلى مجرد الجهل ولا إلى الفكرة السائدة بينهم عن زيف النبي محمد، ولا إلى عداوة الغربيين وكراهيتهم للترك فحسب، بل هو فيما يرى أعمق من ذلك:
إن أقل ما يفهم المرء نفسه - كما يقول - بين والديه. والمسيحي يرى في الإسلام أشياء كثيرة تذكره بدينه هو ولكن في صورة شوهاء. فهو يرى مواد في الدين وآراء في العقيدة مشابهة تماماً لأفكار دينه، ولكنها تأخذ طريقاً آخر إلى غير دينه. وهذه المواد والآراء هي عنده من الألفة بحيث لا يريد أن يرى فيها جديداً أو يعترف لها بأية أصالة. وهو في غمرة عدم الاكتراث لما يظن أنه يعرفه وليس جديداً عليه يمر دون أن يدرك حق الإدراك ما يختفي عليه حينئذ - لعدم حيدته - وهو هذا الاتجاه الروحي الذي جعل الإسلام يحتل مكانة اليوم بين الأديان لمجرد حقه في الحياة والبقاء.
ولا أختم بأحسن مما أختتم به المؤلف الألماني مقدمة كتابه قائلاً للغربيين: إنه قد سهل علينا أن نسبغ أفكاراً دينية غاية في الغرابة والجدة علينا كعقائد الهنود والصينيين. فلكي