قراءة بمدرسة. .) إلى أن يقول:(ومن كان من أهل المهنة والخدمة فله أسباب أخر: من حراسة بستان أو أمانة طاحون أو كفالة صبيان يغدو معهم إلى التعليم ويروح). . . الخ.
والتصدق على الجناة مقبول في الإسلام ما صلحت نية المتصدق وما أريد بالصدقة رد الضال وإقامته على الطريق. والنبي في هذا الشأن يروي قصة محسن وقعت صدقته عند زانية وعند غني. فقبلت صدقته (أما الزانية فلعلها تستعف به من زناها، ولعل السارق أن يستعف به عن سرقته؛ ولعل الغني أن يعتبر فينفق مما آتاه الله عز وجل).
وفي تنظيم الإحسان، يسبق النبي غير مأموم بأسوة أو متبع لسابقه، إلى تقرير (بحث الحالة) الذي هو من أنفع ما تقرره الخدمة الاجتماعية الحديثة: عن (قبيصة بن مخارق الهلالي) قال: تحملت حمالة (الحمالة هي المال الذي يستدينه الإنسان وينفقه في إصلاح ذات البين كالإصلاح بين قبيلتين ونحو ذلك) فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسأل فيها، فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، قال: ثم قال: يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه، لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً.
فالنبي يرى ألا يأخذ سائل بدعوى الفاقة شيئاً حتى يتحرى أمره، فيشهد بإعساره لا فرد واحد قد يكون له هوى في المنع أو الإعطاء بل ثلاثة، وليس ثلاثة كيفما أتفق فيكون منهم من لا نظر له أو من لا فهم له، وإنما ثلاثة يكونون جميعاً من ذوي اليقظة والعقل، حتى تكون شهادتهم حيث يريد التحري من القبول والتقدير، ولا يكون هؤلاء ممن لم تربطهم بالسائل علاقة تقفهم على حقيقة ماله - والمال مما يخفى عادة ولا يعلمه إلا ألصق الناس بالمرء - وإنما يكونون من أهل الخبرة بحال باطنه وظاهره حتى لا يشهدوا بما لم يحيطوا بعلمه. والإحسان بعد كل تلك الحيطة ليس شيئاً غير ممنوع ولا مقطوع، وإنما هو بالقدر الذي يتيح قواما من عيش، فإن تجاوزه فهو حرام لا يحل كسبه ولا أكله.
والإسلام في تعريف المسكين الذي تحق له الصدقة ثاقب النظر دقيق التقدير واسع الرحمة.