للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على أني أراني قد أبعدت كثيراً فيما أعالج من أمر الدعوة الوهابية وبواعثها وأهدافها، فلندع هذا الحديث الذي لا توفيه هذه الإلمامة حقه من الحجة والبيان. ولنعد إلى حديثنا عن صاحب الدعوة محمد بن عبد الوهاب:

أراد هذا الإمام أن ينهض بدعوته. وهل لها إلا تلك (الخامات) العربية التي تنطوي على عناصر الحرية، والاتصال المباشر بالكون، والاستواء على أقطار الحياة يبرئها مما أصابها من غشاوة الجهالة، ويردها إلى فطرتها السمحة، ويغذيها بوحي الكتاب والسنة؛ ثم ينطلق بها خفيفة مؤمنة صابرة، تحمل أعباء الدعوة، فتنشر الهدى المحمدي، وتقر الأمن المضطرب، وتحمي البيت الذي يتخطف الناس فيه، ثم تمضي برسالتها إلى أبعد الآفاق. .

تلك كانت دعوة محمد بن عبد الوهاب. وهذه وسيلته. . ولقد نجح هذا الداعية في المرحلة الأولى - مرحلة الانتصار على أهواء الجاهلية، وأدواء الجهالة، واستنفار (الإخوان) للدعوة إلى سبيل الله - نجاحاً كاد أن يتجاوز حده فيقع بهم في السرف، أو قد كان.

وكانت دعوة محمد بن عبد الوهاب تسير جنباً إلى جنب مع مراحل الدولة السعودية، فلما دانت الجزيرة العربية لآل سعود في مطلع القرن التاسع عشر، كانت هذه الدعوة تزلزل قلوب كثير من السلاطين والولاة في البلاد الإسلامية، ويرون فيها خطراً جائحا يخشى أن تمتد آثاره فتقضي على الأوضاع الظالمة والعقائد الفاسدة التي تقوم عليها كثير من العروش والتيجان. . .

أحس بهذا الخطر سلطان تركيا، وكان يعيش في تلك الأسطورة التي توهمه، أو يوهم هو بها الناس، بأنه ظل الله في أرضه!

وأحس به محمد علي في مصر. . .

وكان إحساس سلطان تركيا بخطر الدعوة الوهابية مزدوجاً، لأنه كان يحس في الوقت نفسه بخطر محمد علي في مصر. فأراد أن يضرب الضربة يصيب بها الاثنين معاً، فطلب إلى محمد على أن يغزو الحجاز؛ وأن يقضي على أولئك المتمردين العصاة!

ووجدها محمد علي فرصة يضرب بها ضربته، باسم خليفة المسلمين، ظل الله في أرضه. .

ثم كانت الغزوات والحروب التي ذهب وقودها مئات الألوف من أبناء مصر، وعشرات

<<  <  ج:
ص:  >  >>