وكانت صحة بلزاك قد أخذت في الانهيار وأجمع الأطباء على أن حالة القلب لديه لا تسمح له بحياة طويلة. عندئذ. وعندئذ فقط دوهانسكا على أن تحقق للرجل الذي صبر السنين الطوال وعفر وجهه في الثرى تحت قدميها لينال يدها الأمنية الكبرى التي يجيش بها صدره. فما الذي ستفقده بهذا الزواج وقد أجمع الأطباء أنه لم يبق له في الحياة إلا شهور معدودة!
وسافر بلزاك إلى روسيا رغم اعتلاله ليعقد أخيراً زواجه في مارس عام ١٥٨٠ في هدوء وصمت تحقيقاً لرغبة مدام دوهانسكا التي كانت تعتقد أن في هذا لزواج انتقاصاً من مقامها. ولهذا كتب العقد بغير احتفال ولم يشعر به أحد ولم يدع إليه إنسان وتمت مراسيمه في الساعة الرابعة صباحا قبل أن يستيقظ النيام من نومهم!
وفي مايو بدأ الزوجان رحيلهما إلى باريس ليقيما في ذلك البيت الذي ظل بلزاك منذ وقت طويل يعده في شارع فورتونيه بكافة ألوان الترف والنعيم في انتظار ذلك اليوم الموعود. وكانت الرحلة شاقة على صحة بلزاك حتى خيف ألا يستطيع أن يتمها سالماً، ذلك أنه لم يكد يصل إلى درسدن حتى انهارت قواه وتضاءلت قوة أبصاره ولكنه قاوم إرادته. فكل ما يأمله الآن هو أن يصل مع مدام دوهانسكا إلى منزل فورتونيه ليعيش فيه بين ذراعيها ولو بضعة أيام.
وقبل أن يصل بلزاك إلى باريس كان قد أرسل بكل تعليماته إلى والدته التي كانت تقوم بكل الترتيبات في منزله الجديد. فطلب منها ألا تكون بالمنزل عند وصوله إليه لأنه يعلم إن مدام دوهانسكا لا تريد رؤيتها. كما طلب أن يكون فرانسوا خادمه الخاص في انتظاره أمام المنزل بعد أن يضئ جميع أنواره. وعندما وصل الزوجان أمام المنزل الموعود لم يجد بلزاك فراسوا في انتظاره فظل يطرق الباب دون مجيب. وانتظرت مدام دوهانسكا في العربة حتى أستدعى أحد المختصين لفتح الباب عنوة. وعندما دخل العروسان وجدا فرانسوا في إحدى الغرف وقد أصابه الجنون فجأة فنقل في نفس الليلة إلى إحدى المصحات.
كان حلم بلزاك أن يعيش في هذا المنزل خمسة وعشرين عاما يكتب أثناءها خمسين كتاباً