بلزاك يريد أن ينافس بقصته (لويس لامبير) قصة (فاوست) للكاتب الألماني جوت! ورغم أنه وصل إلى ما يبغي إلا أننا ندهش حين نعلم إن بلزاك كتب قصته في ستة أسابيع لم يفرغ جوت من كتابه (فاوست) إلا بعد ستين عاما من بدئه فيها.
وإذا كان بلزاك لم يحقق كل حلمه ولم يتم برنامجه إلى آخره فقد حقق معظمه وكتب أربعة أخماس (المهزلة الإنسانية) قبل أن يعاجله الموت في الثانية والخمسين. بيد أن بلزاك قد دفع الثمن غالياً من صحته التي أنهكها السهر الطويل المضني. ولعل العجب يتولى كل من يعرف طريقته في العمل التي تفوق طاقة البشر! إذ كان يقضي في كثير من الأحيان أسبوعين أو ثلاثة أسابيع لا يغادر أثناءها شقته الصغيرة في شارع كاسيني. وكان يبدأ الكتابة عند منتصف الليل حتى إذا ما طلع الصباح تناول إفطاره ثم شرع في تصحيح النماذج التي ترسلها إليه المطبعة فيغير وينمق وكثيراً ما يعيد كتابة صفحات بأكملها. فإذا ما حل المساء لجأ إلى سرير نومه حتى منتصف الليل ليستيقظ ويواصل الكتابة. ولقد ذكر طبيبه وصديقه الدكتور ناكار أن سبب موته يرجع إلى أن قلبه كان متعباً بسبب الإرهاق في العمل والمبالغة في شرب القهوة ليستعين بها على مقاومة النوم. ولقد أحصى أحد المقربين إليه عدد فناجين القهوة التي احتساها في حياته فبلغ خمسين ألف فنجان!!
ولقد كان موت بلزاك مأساة أخرى تختتم بها مآسي طفولته المعذبة وكفاحه الفكري العنيد. كان منذ سنوات قد وقع في غرام مدام دوهانسكا. وكانت سيدة روسية غنية متعجرفة تتعالى عليه وتعتز بأصلها الأرستقراطي وتجعل من صداقتها له ملهاة لغرورها. وكان بلزاك لسوء حظه ضعيفا مع النساء، شديد الإحساس بالنقص تجاه كل سيدة رفيعة المقلم: وبسبب هذا الإحساس تضخمت في ذهنه فكرة الزواج من مدام دوهانسكا لما سيناله بزواجها من شرف ومال فيحقق بذلك حلمه القديم في الحصول على (امرأة وثروة) تستقر بها حياته المضطربة ليتفرغ بعد ذلك في هدوء لإتمام رسالته الأدبية الضخمة.
وكان زوج مدام دوهانسكا عندما تعرف بلزاك لا يزال على قيد الحياة. فظل بلزاك صبوراً على علاقته بها سنوات حتى مات زوجها وحانت بذلك فرصة الزواج. إلا أن مدام دوهانسكا كانت تسوف في وعدها، مختلقة الأعذار دون أن تقطع علاقتها بالكاتب الكبير الذي كانت رفعة مكانته الأدبية في أوروبا بأسرها تضفي على من تصادمه رجلاً مثله هالة