قلوبهم، فيقول عتبة: إنا لله، ذهبت العرب وكلامها، ارمهم بسجع الكهان فعسى أن ينفعك عندهم، ويطير لك ذكر فيهم. وهذه معذرة إن صحت لا نقبلها من ابن شهيد، فليس من حسن الرأي أن ينحرف الكاتب عن طريقة يراها سديدة إلى أخرى مستهجنة ليظفر بالرضى من بعض الناس، وإنما الكاتب العبقري هو الذي ينتهج طريقه ويدع الأذهان تتبصر مسلكه؛ وتتبين خطواته فتترسم سيره، وتأخذ أخذه. . .
ولكن ابن شهيد يعود فيستدرك على قضية (اللفظ والمعنى) مظهراً آخر من مظاهر البلاغة، فيرى أن هناك (صوراً من الكلام تملأ القلوب وتشغف النفوس، فإذا فتشت لحسنها أصلاً لم تجده، وللجمال تركيبها وجهاً لم تعرفه، وهذا هو الغريب أن يتركب الحسن من غير حسن. . . وكذلك كقول امرئ القيس:
تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي
فهذه الديباجة إذاتطلبت لها أصلاً من غريب معنى لم تجده!! ولكن لها من التعلق بالنفس والاستيلاء على القلب ما ترى. .)
وهذا كلام حمله ابن شهيد على ما اشترطه في شخصية الكاتب من قوة الطبع وصفاء الروح كما سبق بيانه، ومعنى هذا الكلام أنك إذا تأملت بعض الصور الكلامية الرائعة لا تجد لروعتها أصلاً من جزالة اللفظ أو طرافة المعنى، بل قد تكون سهلة التناول قريبة الغور، ولكن روعتها ترجع إلى ما يكمن فيها من القوة الروحية للكاتب، وأكثر ما تتجلى هذه القوة في كلام الله (حين يتحدث ذو الجلال عن ذاته وصفاته. وقدرته وقوته، وجلاله وعزته، ولطفه ورحمته، وناره وجنته، ووعده ووعيده، وإنذاره وإعذاره، وقد كان لهذه القوة الرائعة الأثر الأقوى في رياضة العرب واجتذاب نفوسها نحو الإسلام، وهي التي كانوا يشعرون بوقعها من غير أن يعلموا كنهها). ومن العجيب أنك تقرأ الأبيات من الشعر العالي أو النثر البديع فتشعر بهذه القوة رائعة ظاهرة تكسو الكلام جلالاً وجمالاً، فتحاول أن تعبر عنها كما يجب فتجد نفسك عاجزاً مقصراً، ذلك لأن قوة الكلام لا ترجع في هذه الحال إلى الألفاظ والمعاني، وإنما هي ترجع إلى ما فيه من القوة الروحية، وقد أخذ بعض الكتاب المعاصرين هذه الفكرة عن ابن شهيد، وتبناها لنفسه، وادعى أنها انحدرت من عقله إلى قلمه، وهاجم بها الباقلاني في أقواله في إعجاز القرآن، وجادل بها الكتاب والنقاد الذي