للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قضينا سهرة عيد الميلاد في قاعة المكتبة على مقربة من مدفأة تندلع منها السنة اللهب. لم يكن يضئ تلك القاعة سوى عدد من الشموع، فكان المرء يلمح في ضوء القمر خلال زجاج نافذة منظر الحديقة وقد أبيض أديمها وغطتها الثلوج. كان الجنرال برامبل يدخن غليونه وزوجه تعمل بإبرها عندما بدأ اللورد تيلوك يتحدث عن ليلة عيد الميلاد.

قال اللورد: منذ خمسين عاما كان كثير من فلاحي مقاطعتي يعتقدون أن الحيوانات ينطلق لسانها في ليلة الميلاد فتنطق كالبشر سواء بسواء. وأذكر أنني سمعت مرصعتي تقص حكايات عن حارس مزرعة كان يأبى أن يصدق هذه الخرافة. اختبأ هذا الحارس داخل حظيرة الخيول في تلك الليلة ليتحقق من صحة الأسطورة، حتى إذا ما دقت الأجراس مؤذنة بانتصاف الليل رأى الحارس أحد الجياد يميل برأسه على رفيقه ويقول له: سنساق إلى مهمة شاقة بعد ثمانية أيام فيجيبه الآخر: نعم ولا تنس أن الحارس ثقيل الوزن فيعقب الجواد الأول: حقاً إنه ثقيل الوزن والطريق إلى المقابر وعر. ومات حارس المزرعة بعد ثمانية أيام! قال الجنرال برامبل: إن هذا لعمري هراء. وهل كانت مرضعتك تعرف حقاً هذا الرجل؟

فأجاب اللورد تيلوك: إنها تعرفه حق المعرفة يا سيدي وحسبك أن تعلم أنه أخوها.

لبث محدثنا صامتا زمنا وأخذت أتأمل ألسنة اللهب المندلعة وهي تزمزم في الأتون كما تدوي الأعلام في مهب العاصفة. لم يبدل الجنرال حراكاً أما زوجه فكانت تطرز خطوطا بارزة ذات ألوان زاهية على قطعة من القماش. ثم استأنف اللورد حديثه قائلا:

وفي السويد كثيرا ما رأيت الفلاحين في قرية (داليكارلي) يعدون العشاء للأرواح في ليلة عيد الميلاد، إذ يعتقدون هنالك أن الموتى يعودون في تلك الليلة إلى الدور التي كانت مسرحا لحياتهم. ولهذا يشعل أهل القرية مساء قبل أن يفترقوا نارا كبيرة من لهب الشموع اللدنة ويضعون على المائدة غطاء ناصع البياض وينظفون المقاعد ثم يخلون المكان للأطياف حتى إذا ما تنفس صبح اليوم التالي وجد القوم أن شيئا من الوحل قد تناثر على الأرض وأن الآنية والأكواب قد تحركت من أماكنها وأن الجو يعبق برائحة غريبة.

فقال الجنرال بصوت خفيض: وذلك أيضاً لغو وهراء أيقنت عند ذاك أن محدثنا يفتقر إلى الكياسة والفطنة وتأملت السيدة برامبل فإذا هي ساكنة وادعة؛ بيد أني رأيت أن أغير

<<  <  ج:
ص:  >  >>