المطالبة، وإنه لواجد في هذا البيت الشوقي الحكيم مناجاة له في محنته، وتأبيدا له في عزمته، وحضا له على أن يبلغ ما يريد بقوة المصاولة والغلاب، لا بمنطق المناقشة والحجاج.
لا يقولن الكاتب إن الجمهور لا يفهم عني، وإنه أدنى مدارك مني، فالكاتب إن استوعب في أدبه إحساس جمهوره، وعبر عما يعتمل في بيئاته، فالجمهور فاهم عنه، مدرك منه. وعلة الجفوة بين الكاتب والجمهور أن يكون الكاتب قد اقتنص شعوراً ليس بالشعور القوي في طوايا النفوس، أو ليس بالشعور العام الذي ينتظم جماعات الناس، وإذن لا يحس الجمهور ما أحس الكاتب، ومن ثم لا نكون بينهما أستجابة، فلا تنبت بينهما ألفة.
ما أكثر ألوان الموضوعات التي تعرض للكاتب الأديب، يجري بها قلمه ويبعث إليها أضواء فنه. إن من هذه الموضوعات ما هو خاص أو أخص، تتمثل فيه نزعات كثيرة من الناس أو قلة. فهو عند هؤلاء الكثيرين أو القليلين أثير وهم إليه في الاختيار يجنحون، ولكن ثمة موضوعات شاملة، فيها نلتقي أشتات المطامع والميول، ولها من مختلف مشكلات الحياة وطرائق العيش نصيب، فهي متصلة أوثق الاتصال بتلك التيارات العميقة العامة التي تجري في أوصال البشرية كلها، لا تقتصر على جيل من الناس ولا تختص بعصر من عصور التاريخ فهذه الموضوعات الشاملة إذا زاولها الأديب الفنان امتد أثرها في كل جانب، وانبسط ظلها على كل ناحية، واستوى في استشعارها بدوي وحضري، وربما استجاب لها السويدي قريباً من القطب حين يستجيب لها الزنجي في خط الاستواء. فهي إلى العالمية أقرب، وإلى الخلود أدنى.
كلما عالج الأديب ناحية ينفسح نطاقها في مجتمع الناس كان صوته أندى، وأثره أشمل وأعمق. وذلك هو أدب الحب يستأثر بالخطوة العزيزة في القصة وفي الشعر وفي غير ذلك من ألوان الأدب، وهل كانت للحب تلك الخطوة إلا بأنه عاطفة إنسانية تلائم كل نفس، وتطاوع كل هوى، وأنه بضعة أصلية في الطبع البشري ينجم عنه كثير من العواطف والتأثيرات، فهو دعوة مستجابة ونداء مسموع، وهو عند الجمهور العام مكفول له القبول.
والتعويل كل التعويل على منهج المعالجة لأمثال هذا الموضوع الإنسًاني العام، فقد يتناول موضوع الحب أديبان أحدهما غير فنان والآخر فنان أصيل. فأما غير الفنان فإنه يطرق