ومجالس الريف، وإن الزوار والمتفرجين من المصريين ليقفون عندها طويلاً بما يرونه من أبطالها، ولعلهم هم أنفسهم أولئك الأبطال الماثلون.
فالأديب الفني في مستطاعه أن يقدم عملاً فنياً معبراً عن روح الشعب، مستجيباً لما يجري في وليجة نفسه، ولزم على الأديب إذا هدف إلى شيء من ذلك أن يكون من الشعب على مقربة. بل لا بد أن يحيا بين جوانحه، ويتدسس في صميمه. ويستجيب لذلك كله في صدق وإخلاص وإيمان. فهو من الشعب يأخذ، وإياه يناجي. وما الشعب إلا نموذج من النفس البشرية بما حوت من نوازع وخصائص وأطوار.
حقا أن العمل الأدبي الفني لابد أن تتجلى فيه فكرة أو رأي أو هدف، ولكن هذه الفكرة في العمل الفني يجب أن تكون وثيقة الصلة بالنفس الإنسانية على وجه عام؛ فهي تفهم بالبصيرة لا بالعقل، وما دامت الفكرة نابعة من قرارة النفس، منتزعة من صميم الحياة، ملتقطة من جو البيئة، فهي فكرة قديمة قدم الغرائز والعواطف والنزاعات. وليس للأديب الفنان فيها إلا فخر إثارتها، وفضل يعثها في ثوب جديد، والتذكير بها على نحو طويف. ونحن حين نعجب بفكرة أدبية جميلة فإننا لا نعجب بها إلا لأن الكاتب يزفها إلينا في إطار فني، ويصورها لنا في معرض جذاب، وقديماً انتبه الشاعر العربي لذلك في قوله:
إنما تنحع المقالة في المرء ... إذا صادفت هوى في الفؤاد
إذا مس الأديب من النفوس وترا أرنت النفوس له واستجابت. وإذا أصابت المعاني شغاف القلوب خفقت القلوب لها واهتزت. وهذا (الراديو) ينقل لنا صورة صوتية لمجلس غنائي أنشدت فيه (أم كلثوم) قصيدة (لشوقي) وأهل المجلس من شتى الطبقات، فهم نموذج شعبي صادق التمثيل للشعب، وإنهم ليستمعون إلى الغناء فيبدو إعجابهم بقدر، وما تكاد الشادية تبلغ في إنشادها قول الشاعر:
وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
حتى تسمع (الراديو) قد أرعد بتصفيق هذا الحشد الزاخر إرعاداً بصم الآذان ويشق العنان. وما كان ذلك إلا لأن هذا المعنى بخصوصه قد أصاب من الشعب شغاف قلبه، ومس وترا حساسا في نفسه. فهذا الشعب قد عانى في دهره الأطول استلاب حريته، واغتصاب حقوقه، فهو مظلوم مهضوم، تمني العدل والإنصاف حتى سئم التمني، وطالب به حتى مل