والجواب غير بعيد، فالصورة الأدبية الفنية يأنس فيها كل ذوق ما يلائمه ويحد فيها كل امرئ ناحية يتأثر بها ويستجيب لها، حسبما تعنيه ملكاته ومداركه.
الفنان العبقري يرفع مصباحه الدري، مرسلا منه نوراً أبيض وهاجاً صافي الإشراق. وإن هذا النور الأبيض لينطوي على مختلف الألوان حينما يتحلل بالمنشور. والنفس البشرية منشور بلوري يتحلل به ذلك النور الوهاج، فكل امرئ يشهد ما يرتاح إليه، أو ما تستطيع عينه أن تراه. وفي أدب الفنان العظيم نور كامل تكمل فيه الأطياف جمعاء.
وإنما يتفاوت الفنانون درجات بما يعوز أدبهم من ألوان هذه الأطياف، فمنهم من يعوزه الكثير، ومنهم من يعوزه القليل، ولذلك نرى تأثير الفنان مقصوراً على طائفة مخصوصة من الناس إذا كان أدبه مقصوراً على بعض الأطياف التي تلائم تلك الطائفة وحدها. فأما الفنان الذي نفحته (عبقر) فإن أدبه تتكامل فيه أطياف النور على اختلاف الألوان، فيه لكل طائفة أرب، وعنده لكل ذوق متاع.
وليس بكاف أن تبعث النور وهاجا متكاملاً لكي تطمئن إلى إمكان الاستنارة به، فلا بد من رعاية الطريقة التي يتجلى بها النور للعيون. لا بد من رعاية الزجاجة التي تنظم انبعاث الشعاع، أعني بها اللغة والأسلوب. وهنا تنجم عندنا مشكلة العامية والفصحى، فالعامية لغة التخاطب في الجمهور، والفصحى لغة التدوين للأدب الفني، ولا تتحقق الاستجابة بين كاتب وقارئ إلا إن فهم القارئ ما دون الكاتب، والواسطة بينهما لغة وأسلوب؛ وذلك هو الحجاب بين الأدب الفني والجمهور العام. وعلاج هذه المشكلة في ناحيتين: الأولى تطويع اللغة حتى تكون صالحة لمخاطبة الشعب كله. والأخرى تعميم التعليم حتى تلتقي الأداتان: أداة الإسماع وأداتاة لاستماع، أو كما يقول المهندسون: أداة الإرسال وأداة الالتقاط.
حين يصدقي الأديب الفنان في استلهامه يخرج عملا فنيا. وهو في هذا العمل الفني يجلو صورة الشعب. ولا غرو أن الشعب يستهويه أن يرى نفسه في المرآة، كما يلذ لكل امرئ أن يشهد شخصه في رسم أو صورة. وأنت إذا صنعت تمثالاً فنياً جميلاً لفلاح في حقل أو عمدة في قرية، وجدت من يروقه التمثال ومن يعجب به بين الفلاحين والعمد. وفي المتحف الزراعي المصري قاعة ملئت بالتماثيل الملونة التي تصف مشاهد الفلاحة