والحديث الصحيح أثبت للرسول صلوات الله عليه خوارق كثيرة كمعجزات الأنبياء والرسل من قبله. منها حنين الجذع الذي كان صلى الله عليه وسلم يخطب عنده قبيل اتخاذ المنبر، ومنها تكثير طعام جابر حتى أشبع جيش الخندق، وتكثير اللبن حتى أروى أهل الصفة من قدح استقله أبو هريرة لنفسه وللرسول، وتكثير الماء في الإناء حتى استقى منه جيش تبوك. ومنها رد عين أبي قتادة في غزوة أحد أو بدر، وإبراء عين علي رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله أجمعين في غزوة خيبر. وما من هذه إلا قد شهده الجم الغفير من الناس. فليت شعري لماذا نؤاخذ الوعاظ إذا ذكروا الناس بما أكرم الله به نبيهم من تلك المعجزات في ذكرى مولده الشريف؟ أو لماذا ينعى على الناس استشعارهم السرور والفخر بينهم الذي أكرمه الله تلك الكرامة وأنوله تلك المنزلة! لو أن أمثال الأستاذ السمان انتهزوا اهتزاز الناس ذلك وذكروهم بوجوب العمل بما أهملوه ونسوه من رسالة الرسول لكان خيرا للناس وأعظم أجرا له ولأمثله. أما النعي على من يذكر الناس بناحية من نواحي عظمة الرسول يرى هو غيرها أكبر منها، أو النعي عليهم إذا خرجوا من تلك الذكرى يعددون ما ذكروا به وازدادوا به إيماناً من تلك المعجزات، ففيه من الغلو والإسراف وتحجير الواسع ما فيه.
وأعجب من هذا وأوغل في الإسراف نعيه على (صنف) من المسلمين يفضلون محمداً على الرسل، ويجعلونه إمامهم ويجعلون رسالته فوق رسالاتهم والمسلمون كلهم ذلك الصنف الذي زعم الأستاذ ومنهم الأستاذ السمان نفسه بما كتب في مقاله من الناحية التي يعظمها ويكبرها. وإلا فأي الرسل أصلح الله به ما أصلح بمحمد صلوات الله وسلامه عليه؟ وأي الرسالات بلغت مبلغ الإسلام وحققت ما حقق الله، من تحرير العقول والنفوس في الماضي ولا يزال يدعو إلى تحريرها من كل سلطان غير سلطان الله سبحانه خالق الكون وفاطر الناس؟ وإذا كان الأستاذ يستشهد على من ظنهم خصومه من المسلمين بأن أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس أفلا يكون الرسول الذي أخرج الله على يديه تلك الأمة خير الرسل؟.
إن محمداً صلى الله عليه وسلم جمع الله له ما فرق في الرسل. آتاه من المعجزات مثل الذي آتاهم، وخصه صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم معجزة خالدة لا تضارعها معجزة، وبدين شهد الله له بما لم يشهد به لدين قبله. شهد له بالكمال حين أنزل عليه في الوقف في