حجة الوداع (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). وشهد له صلى الله عليه وسلم بما لم يشهد به سبحانه لنبي قبله من عموم الرسالة وعموم الرحمة به في قوله تعالى من سورة سبأ (ما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون) وقوله تعالى من سورة الأنبياء (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). وأمثال الآيتين في القرآن الكريم كثير.
والرسالة نفسها ليست مما لمحمد فضل فيه فإنه لم يأت بشيء منها. والآيات التي استشهد بها الأستاذ من قول الله لا من قول محمد كما يعلم الأستاذ طبعاً. فلو لم يشغله الحماس عن التدقيق لما خفي عليه أن مبادئ الإسلام نفسه ليس لمحمد فضل فيها إذ لم تكن من عنده، وإذا كان هو مأمورا بالإيمان بها كغيره، وإذ عاش في قومه أربعين سنة قبل الرسالة لم يؤثر عنه أنه دعاهم فيها حتى إلى التوحيد، وإن أثر أنه لم يسجد لصنم وأنه كان قبل الرسالة من الموحدين. فالثناء الذي أثنى به بعض المستشرقين عليه أنه كان من عظماء المصلحين ثناء مدخول كان لا ينبغي أن ينخدع به الأستاذ لأن مبعثه اعتقادهم أن القرآن من تأليفه وأن الإسلام من وضعه. وكل ثناء عليه صلى الله عليه وسلم بغير النبوة والرسالة هو في الواقع دون مقامه الكريم ولو كان ذلك الثناء، أنه بطل الأبطال وأعظم المصلحين.
إن حقيقة عظمته صلى الله عليه وسلم ليست في الرسالة نفسها ولكن في أنه أدى الرسالة على وجهها. فالرسالة من عند الله ليس لمحمد ولا لغيره منها شيء ولا له في مبادئها فضل، وإنما الفضل كله أنه أداها كما ينبغي أن تؤدي، وتحمل في أدائها كل ما تحمل، ونهض بأعبائها نهوضا لم يكن لينهضه إلا من بلغ غاية كمال البشرية. وهذا هو ما يقصده الذين يقول الأستاذ انهم يرفعون محمداً فوق مستوى البشرية. وما مستوى البشر الذي يعرفه الأستاذ أو يمكن أن يعرفه في تاريخ البشرية إذا قيس بالمستوى الذي بلغه سيد البشر وخاتم الرسل محمد بن عبد الله؟.
إن أعجب العجب أن يقوم فرد بأعباء دين أعجز البشرية أن تحمله وتقوم بأعبائه إلا مجتمعة! والترقي داخل حدود الإسلام ليس له نهاية، لأن حدود الفطرة نفسها، إذ هو دين الفطرة بل نفس الفطرة التي فطر لله عليها الناس، بشهادته سبحانه في سورة الروم. وكل