ما يمكن البشر أن يبلغه من الرقي في الفطرة قد حققه الله للبشرية في محمد بن عبد الله رسول الإسلام الذي لا ينطق عن الهوى، والذي صار كل عمل له سنة، وكل قول له حجة لله على عباده، لا عملا أو قولا لم يقره الله عليه في حوادث معدودة نطق بها القرآن وأحاطت بها سنة الرسول فكأنما أعد الله محمداً من بين البشر في تاريخ البشرية المتطور للقيام بأعباء دين الله الكامل؛ تلك الأعباء التي تفرق القيام بها في الناس، في الصالحين وأولى العزم من المسلمين حتى صار المتأسي به صلى الله عليه وسلم عن اجتهاد وصدق في صفة من صفاته مثلاً يضرب في مكارم الأخلاق إلى اليوم كما ضرب المثل في أبي بكر وعمر وعلي ومن إليهم من الصحاب وممن تبعهم بإحسان. فالكمال البشري قد جمعه الله لمحمد الفرد كي يستطيع أن يقوم بدين الله دين الفطرة والبشرية الكاملة. أفلا يكون صلى الله عليه وسلم لذلك أكمل البشر على الإطلاق.
هذه نتيجة منطقية ليس عنها محيص، وليس فيها انتقاض لأحد من الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فالله سبحانه قد فضل بعض رسله على بعض كما أخبرنا سبحانه في آية تلك الرسل؛ والحديث الذي ساقه الأستاذ السمان يشهد بذلك التفاضل. والأفضلية في صفة غير الأفضلية في مجموع الصفات. والنهي في الحديث الكريم عن التخيير بين الأنبياء موجه في الأصل إلى ذلك اليهودي لأنه هو الذي خير كما يتبين الأستاذ إذا رجع إلى الحديث. وجاء النهي عاما لحكمة غير نهي المسلم عن التعصب لأن المسلم في الحديث لم يزد على أن أنكر أن يكون موسى أفضل من محمد. وما يوهمه الحديث خلاف ذلك ليس على إطلاقه ولكنه محدود بما ذكر في الحديث. والثناء على موسى صلوات الله عليه بصفة تميز بها هو مثل في التواضع ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته ليكون تشريعاً في مثل حادثته وهو يؤيد ما ذهبنا ونذهب إليه مع جمهور المسلمين من أنه صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للبشرية حققه الله للناس تاريخاً واقعاً. والمثل الأعلى يقترب منه المجتهدون في بلوغه اقترابا بطرد ما طرد اجتهادهم من غير أن يبلغوه مهما اجتهدوا.
وصلوات الله وسلامه على الرسول الكامل الذي حقق الله به وفيه الفطرة الإنسانية الكاملة محمد بن عبد الله.