الجديد - كما ينبغي أن يسمى - بجميع الوسائل التي يظنون أنها تقضي بهم إلى الدفاع عن الإسلام أو إحيائه أو تجديده. وهم على مر الزمن، سوف يتركون آثار عميقة في حياة العالم الإسلامي الحاضر، وسيتبعهم تابعون يقتفون آثارهم، مبعدين عن النهج الأول الذي بني عليه هذا الإسلام الذي يدافعون عنه أو يحيونه أو يجددونه! بل إن هؤلاء أنفسهم قد كانوا خلفاء لجيل سبق من قبلهم، أعمته الحياة التي بهرت عينيه وزلزلت عقائده، فطلب كما يطلبون، الدفاع عن الإسلام وإحياءه وتجديده، على أسس لم يستمد أصلها من الحق الذي في دينه، بل من أصل بعيد هو الحياة التي يحياها العالم الصليبي الذي غلب وقهر وظهر مجده في هذه الأرض.
إن هذا الوباء الذي يجتاح العقل الإسلامي والحياة الإسلامية، قد نفذ إلى كل ركن في هذا العالم، وسارت حمياه سورة مستبدة بكثير من رؤوس الدعاة. وانطلقت الألسنة مسرعة تريد أن تبنني بناء عقلياً جديداً لهذا الإسلام الذي تهدم بناؤه القديم، فما تجيد لسانا إلا وهو يرسل طوفانا من الكلام بلا حذر ولا توقف، وكل لسان يرى في الذي يرسله مادة صحيحة لبناء هذا العالم المتهدم. وأصبح كل داعية إماما يقتدي به. والمقتدون به لا يعلمون شيئاً إلا أن هذا السيل المرسل عليهم، ليس إلا أصلا صحيحاً من أصول هذا السيل المرسل عليهم، ليس إلا أصلا صحيحاً من أصول هذا الإسلام الذي يدعوهم إليه. وكل داعية يظن نفسه ينبوعاً يروي الظامئين، يسألونه فيجيب، فيطوفون به طواف الوثني بالصنم. مادة علمهم أن يستمدوا منه ما يجود عليهم به. ولا يجد أحدهم متسعاً أن يلتمس علمه إلا من فيض لسان هذا الإمام الداعي. والإمام مشغول بالتماس المعاني التي يفيضها عليهم، وهم لا يسألونه من أين يأتي بها. وكل داعية مشغول بإعداد المادة لمن يتبعه، لا يحذر ولا يخاف ولا يتحرى. وكل داعية مشغول عن الداعية الآخر، لا ينظر في أمره ولا يتعقبه ولا يقول له من أين جئت بهذا. بل لعله يغفل عن أفسد الفساد في قوله وفعله، واقبح القبح الذي يبثه في أتباعه، لأنه يقول لنفسه إننا مشغولون جميعاً برم هذا البناء الذي تهدم، بل ببناء شيء هو خير من الذي تهدم. وكل داعية منهم هو في الحقيقة منكر للحياة الأولى للإسلام، ولكنه يريد أن يقاوم الفناء بأن يستخرج من نواحي هذه الحياة ما يقنع هو به، ويقنع بعض الناس به: أن في ماضي الإسلام ما يمكن أن يكون مماثلاً للحياة الحاضرة، أو تصحيحاً لبعض