للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أمير إنطاكية، وآخر مقيم في الرها مواجه لطرابلس للدفاع عن الحدود، وثالث يراقب صور، ورابع في دمياط والإسكندرية، ليحتاط ضد الصليبيين القادمين من البحر، ولذلك كان جيش السلطان أقل عددا من الصليبيين، وبرغم طول الحصار لم ير صلاح الدين أن يسلم البد للعدو، وعمل أهل عكا ما استطاعوا للاحتفاظ بمدينتهم، ولكنهم أمام كثرة العدو اضطروا إلى أن يصالحوه على أن يسلموا إليه البلد وجميع ما فيه، ويقدموا إليه ضريبة مالية كبيرة، ويخرجوا بأنفسهم سالمين هم وذراريهم ونساؤهم. ولما علم صلاح الدين بذلك أكره إنكاراً عظيماً، وعزم على أن يحول بين أهل عكا وبين التسليم، ولكن ما راعه إلا أعلام الفرنج تنصب على أسوار المدينة يوم الجمعة ١٧ جمادى الآخرة سنة ٥٨٧هـ، ولم يف ملك الإنجليز بما وعد به أسرى المسلمين، بل أحضرهم مكبلين بالحبال، وحمل عليهم هو وجنده حملة الرجل الواحد، فقتلوهم ضرباً وطعناً بالسيف، ولم يطق ملك فرنسا المقام مع ريتشارد، فعاد إلى بلاده، وبقي ريتشارد يعمل وحده.

لما فرغ الفرنج من إصلاح أمر عكا ساروا مع شاطئ البحر إلى حيفا، وخرج المسلمون بازائهم يضايقونهم، حتى وصلوا إلى يافا فملكوها، وكانوا على أن يملكوا عسقلان والقدس، فجمع صلاح الدين أمراءه، واستشارهم فيما يفعل، فأشاروا عليه بتخريب عسقلان، وقالوا له: قد رأيت ما كان بالأمس، وإذا جاء الفرنج إلى عسقلان، ووقفنا في وجوههم نصدهم عنها فهم لا شك يقاتلوننا، لننزاح عنها وينزلون عليها، فإذا كان ذلك عدنا إلى مثل ما كنا عليه على عكا ويعظم الأمر علينا، لأن العدو قد قوى بأخذ عكا وما فيها من الأسلحة وغيرها، ونحن قد ضعفنا بما خرج عن أيدينا، ولم تطل المدة حتى نستجد غيرها، فوافق صلاح الدين على تخريبها مرغما؛ وتركها صلاح الدين إلى القدس، وأمر بعمارة سورة وتجديد مارث منه، وأما الفرنج فرحلوا إلى الرملة وأخذوا يجددون عسقلان، وأجمعوا أمرهم على المسير إلى بيت المقدس.

بدأ حديث الصلح يومئذ بين ملك الإنجليز وصلاح الدين، وكان العدو هو الذي بدأ بطلب الحديث في هذا لصلح، إذ أراد أن يتحدث إلى الملك العادل، وكان أول ما دار من حديث بين الفريقين أن قال الفرنج: (إنا قد طال بيننا القتال، وقد قتل من الجانبين الرجال البطال، وإنا نحن جئنا في نصرة إفرنج الساحل، فاصطلحوا أنتم وهم، وكل منا يرجع إلى مكانه)،

<<  <  ج:
ص:  >  >>