استعد صلاح الدين للحرب، ومضى بجيشه إلى يافا وافتتحها وكانت قلعتها على وشك أن تسقط في يده لولا أن أنجدها جيش الفرنج، وقد أعجب ملك الإنجليز بالسرعة التي استولى بها صلاح الدين على يافا، وقال: ما ظننت أنه يأخذ يافا في شهرين، فكيف أخذها في يومين. وأرسل رسولاً إلى السلطان يقول له:(بالله عليك أجب سؤالي في الصلح، فهذا الأمر لابد له من آخر، وقد هلكت بلادي وراء البحر، وما في دوام هذا مصلحة لنا ولا لكم) فأجابه السلطان: (إنك كنت طلبت الصلح أولاً على قاعدة، وكان الحديث في يافا وعسقلان، والآن قد خرجت يافا، فيكون لك من صور إلى قيسارية)؛ فجاء رسول الملك يقول:(إن قاعدة الإفرنج أنه إذا أعطى واحد لواحد بلدا صار تبعه وغلامه، وأنا أطلب منك هذين البلدين: يافا وعسقلان، وتكون عساكرهما في خدمتك دائماً، وإذا احتجت إلى، وصلت إليك في أسرع وقت، وخدمتك كما تعلم خدمتي)، فأجابه صلاح الدين:(حيث دخلت هذا المدخل، فأنا أجيبك بأن نجعل هذين البلدين قسمين: أحدهما لك، وهو يافا وما وراءها، والثاني لي، وهو عسقلان وما وراءها)؛ فأرسل إليه الملك يشكره على إعطائه يافا، ويجدد السؤال في عسقلان، ويقول:(إنه إن وقع الصلح في هذه الأيام سار إلى بلاده، ولا يحتاج أن يشتي هاهنا)، فأجابه السلطان في الحال إجابة المؤمن الواثق بقوله:(أما النزول عن عسقلان فلا سبيل إليه وأما تشتيه هاهنا، فلا بد منها، لأنه قد استولى على هذه البلاد، ويعلم أنه متى غاب عنها أخذت بالضرورة، كما تؤخذ أيضاً إذا أقام، إن شاء الله تعالى. وإذا سهل عليه أن يشتي ها هنا، ويبعد عن أهله ووطنه مسيرة شهرين وهو شاب في عنفوان شبابه، ووقت اقتناص لذاته، أفلا يسهل على أن أشتي وأصيف، وأنا في وسط بلادي، وعندي أولادي وأهلي، ويأتي إلى ما أريد، وأنا رجل شيخ، قد كرهت لذات الدنيا، وشبعت منها، ورفضتها عني، والعسكر الذي يكون عندي في الشتاء غير العسكر الذي يكون عندي في الصيف، وأنا أعتقد أني في أعظم العبادات، ولا أزال كذلك حتى يعطي الله النصر لمن يشاء).
ومضى السلطان يطلب فرصة يحارب فيها العدو، ولكن الملل كان قد دب إلى عسكر الفريقين، وكانت قد جدت أمور تستدعي عودة ملك الإنجليز إلى بلاده، فأرسل رسولاً إلى الملك العادل، وقال له: قل لأخي الملك العادل يبصر كيف يتوصل إلى السلطان في معنى