للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الموت. غير أن الفرنج وقد أشرفوا على القدس حدث بينهم خلاف، دفعهم إلى أن يعودوا ناكصين على أعقابهم، وفرح المسلمون بهذه العودة.

وتجدد حديث الصلح كرة ثانية، وأرسل ملك الإنجليز رسولاً يقول: قد هلكنا نحن وأنتم، والأصلح حقن الدماء، ولا ينبغي أن تعتقد أن ذلك لضعف مني، بل للمصلحة، ولا تفتر بتأخري عن منزلي، فالكبش يتأخر لينطح).

وأرسل رسالة أخرى فيها رفق وخضوع ونزول عن كثير مما كان يطمع فيه، ويقول له في هذه الرسالة: (إني راغب في مودتك وصداقتك، وأنه لا يريد أن يكون فرعون بملك الأرض، ولا يظن ذلك فيه، ولا يجوز لك أن تهلك المسلمين كلهم، ولا يجوز لي أن أهلك الإفرنج كلهم، وهذا ابن أختي الكندهري قد ملكته هذه الديار، وسلمته إليك، ليكون هو وعسكره تحت حكمك ولو استدعيتهم إلى الشنق سمعوا وأطاعوا. ويقول: إن جماعة من الرهبان المنقطعين قد طلبوا منك كنائس فما بخلت عليهم بها، وأنا أطلب منك كنيسة، وتلك الأمور التي كانت تضيق صدرك مما كان يجري في المراسلة مع الملك العادل تركتها وأعرضت عنها، ولو أعطيتني خربة قبلتها). فلما سمع السلطان هذه الرسالة جمع أرباب مشورته فأجمعوا على المحاسنة وعقد الصلح لما كان قد أخذ المسلمين من الضجر والتعب. فكتب صلاح الدين إليه: (إذا دخلت معنا هذا الدخول فما جزاء الإحسان إلا الإحسان. إن ابن أختك يكون عندي كبعض أولادي، وسيبلغك ما أفعل معه. . . وعسقلان وما وراءها يكون خرابا لا لنا ولا لكم. . .) وقد كاد الصلح يتم لولا إصرار ملك الإنجليز على أن تبقى عسقلان وبعض البلاد عامرة بيده، فقد أرسل إلى صلاح الدين رسالة يقول له فيها: (إن الملك يسأل ويخضع لك أن تترك له هذه الأماكن الثلاثة عامرة، وأي قدر لها في ملكه وعظمتك، وما من سبب لإصرار عليها، إلا أن الإفرنج لم يسمحوا بها، وقد ترك القدس بالكلية، فلا يطلب أن يكون فيه رهبان ولا قسوس، إلا في القيامة وحدها، فأنت تترك له هذه البلاد، ويكون الصلح عاما، فيكون لهم كل ما في أيديهم من الدارون وإلى إنطاكية، ولكم ما في أيديكم، وينتظم الحال، وإن لم ينتظم الصلح فالإفرنج لا يمكنونه من الرواح، ولا يمكنه مخالفتهم). وانقطعت مفاوضات الصلح عندما أعلن الملك أنه لا يمكن أن يخرب من عسقلان حجرا واحداً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>