وفشل مشروع آخر للصلح عرضه ملك الإنجليز على العادل، إذ أراد أن يتزوج العادل بأخته، على أن يعطيها أخوها بلاد الساحل التي بيده من عكا إلى يافا وعسقلان وتكون ملكة الساحل، على أن يكون مستقر ملكها بالقدس، ويكون العادل ملك الساحل، وأن يسلم غليه صليب الصلبوت، وتكون القرى والحصون لطائفتين من فرسان الإفرنج هما الداوية والاسبتار، وأن يطلق أسرى الفرنج والمسلمين. وإذا أستقر الصلح على هذه القاعدة رحل ملك الإنجليز على بلاده. وقد قبل صلاح الدين هذا المشروع، إذ به تكون بلاد الشام كلها تحت سيطرة صلاح الدين وأخيه. ويقال إن سبب الفشل يعود إلى أن أخت الملك لم تقبل أن تتزوج من العادل لأنه مسلم، وظن ريتشارد أن العادل يقبل أن يتنصر يتمم هذا الزواج، ولهذا أبقى باب المفاوضات مفتوحاً.
وبرغم أن العادل لم يتنصر، ولم يتم الزواج، توثقت صلة المودة بين الملكين، وحدث في اجتماع تم بينهما أن سأل ريتشارد الملك العادل أن يلتمس من السلطان صلاح الدين الاجتماع به، فلما وصلت هذه الرسالة شاور السلطان الجماعة في الجواب عنها، وبدا له رأي ناجح موفق ذلك أنه قال:(الملوك إذا اجتمعوا يقبح منهم المخاصمة بعد ذلك، فإذا انقطع أمر حسن الاجتماع، والاجتماع لا يكون إلا لمفاوضة في مهم، وأنا لا أفهم بلسانك، وأنت لا تفهم بلساني، ولا بد من ترجمان بيننا نثق أنا وأنت به، فليكن ذلك الترجمان رسولاً حتى يستقر أمر وتستتب قاعدة، وعند ذلك يكون الاجتماع الذي يعقبه الوداد والمحبة). قال الرسول: ولما سمع ملك الإنجليز هذا الجواب استعظمه، وعلم أنه ليس من الهين أن يظفر بما يريد من السلطان. وكان صلاح الدين لا يرى الصلح مع الفرنج، ويؤمن بأن المصلحة في دوام الجهاد حتى يخرجوا من الساحل، ويعتقد أن الفرنج لا تؤمن غائلتهم، ويرى أن هذا واجبة في الحياة وتحدثه نفسه بأنه لو حدث به حادث الموت لا تكاد تجتمع هذه الجيوش التي تحت قيادته.
مضت الرسل بين الفريقين نتحدث في الصلح لتقرير قواعده، مع قيام الحرب بينهما، ولم يستطيع الطرفان أن يصلا إلى حل حاسم برغم كثرة الرسل، وكثرة ما عرض من مشروعات. وقر رأي العدو على مهاجمة القدس والاستيلاء عليها، ومضى بعد المدة لذلك، فأحضر السلطان الأمراء عنده، وقر رأيهم على الاجتماع عند الصخرة والتحالف على