شراً ولا تدرأ خطيئة. . كان مثالياً بينه وبين نفسه، ولكنها المثالية القاصرة على عالم الذهن وحده لا تكاد تتعداه. وهو في (وجوده الذهني) إنسان مترفع عن كل ما يخدش الكرامة ويشين الخلق ويهبط بالسمعة إلى حمأة الموبقات، وهو في (وجوده الواقعي) إنسان غارق في لجج الإثم ضال في متاهات الغي متخبط في ظلام الوزر والمعصية! يدعو إلى الشيء ولا ينفذه، ويرسم الطريق ولا يسير فيه، ويضع لحياته خط سير هو أول المنحرفين عنه والخارجين عليه. . يحب الوحدة ويتوهم أن في ظلالها راحة نفسه ونعيم دنياه، ولكي يظفر بها فلا بأس من أن ينفر منه الناس وأن يبغضهم فيه، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يرمي شخصه بأقبح التهم وينعت خلقه بأشنع النعوت، ولا ضير من أن يشيع عن نفسه أنه قتل أباه وانحدر من الشذوذ الجنسي إلى أدنأ بؤرة وأحط مهاويه. . كل هذا ليحقق لنفسه تلك الوحدة المنشودة التي يخلو فيها إلى هواجسه بعيداً عن الناس!.
ومع ذلك فما أكثر ما يضيق بهذه الوحدة ويفزع من أشباحها الرهيبة ويفر من ظلالها الخانقة! وهو، ذلك المخلوق الذي يسمو (بأفكاره) إلى مدارج العلاقة الجنسية النظيفة، تراه يهبط (بأفعاله) إلى أقذار ما يمكن أن تلحقه تلك العلاقة بإنسان. . تراه يتصل بإحدى العاهرات ذلك الاتصال الشائن الذي يخرج منه أخبث الأمراض وأفدح العلل ثم لا يحاول أن يقصد إلى طبيب ليلتمس لجسمه المنهك، أي وسيلة من وسائل البرء والشفاء! وهو، ذلك الرجل العاجز عن تصريف أموره، المشلول الإرادة في معركة الحياة، يسعى عن طيب خاطر إلى من يشرف عليه ويرعاه؛ حتى إذا وجد (مجلس العائلة) أو مجلس الوصاية ليشرف على هذا الرجل الذي يفر من المسئوليات الضخام وغير الضخام، تراه يثور على هؤلاء (الجلادين) الذين يذيقونه الذل ويسومونه سوء العذاب! هو، ذلك الفنان الذي كان يتطلع إلى أن يظفر بمكانه بين الأعلام من أعضاء الأكاديمية الفرنسية، تراه يعبر كل درب يمكن أن يباعد بينه وبين المكان المرموق. وأعجب العجب أنه كان ينشد من كل قلبه مثل هذا الإخفاق! وهو، ذلك الشاعر الذي يخرج للناس يوما ديوانا من الشعر يطلق عليه (أزهار الشر) ليقف بسببه في ساحة القضاء. ترى أكان يهدف من وراء هذا الشعر إلى مؤازرة الذين ينادون بمذهب (الفن للفن) أم كان يهدف إلى شيء آخر تتردد أصداؤه بين جنبيه وترسب في قرار سحيق؟ أغلب الظن أنه كان يحب أن يكون منبوذا من