الناس تلاحقه اللعنة في كل عمل من أعماله الأدبية والإنسانية. . وإلا لما تعمد أن يطالع الناس بهذا الشعر الذي عرضه للإدانة من جانب القضاء الفرنسي؛ وهي إدانة مادية ومعنوية!.
هو إذن في رأي سارتر رجل عاجز مضيع يحرك يديه في شتى الاتجاهات ليثير من حوله الزوابع والأعاصير، حتى إذا هبت عليه من ناحية وعصفت بكيانه وزلزلت وجوده وقف حيالها مكتوف اليدين. . رجل عاش ولكن لم يستطع أن يفسر لنا تلك الحياة التي عاشها ولا أن يكيف لنا هذا الوجود الذي خلق فيه! رجل كون مزاجه بنفسه واختار مصيره يرضاه، ثم خانته القدرة على أن يخرج من أخطائه وآثامه بمذهب يحدد ذاتيته في زحمة الوجود أو يبرر مكانه في غمار الحياة! هذه الشخصية العجيبة الغريبة المتقلبة تحتاج إلى مفتاح يعالج أبوابها المغلقة على فنون من الطلاسم والأسرار وليس هناك من كاتب غير سارتر يقدم إلينا هذا المفتاح.
بودلير الذي كان يفتش عن الآلام كان يريد أن يتعذب والدليل على ذلك يمكن أن يستخلص من أخباره وآثاره؛ أخباره الخاصة وآثاره الفنية، ولا عجب في ذلك من رجل كان يقول عن نفسه ويردد ما يقول:(أنا الجرح وأنا السكين)!. . كان يسعى إلى صهر روحه في بوتقة الألم والعذاب، وكان يحلو له أن يتأوه كلما أحس في نفسه حاجة إلى الثورة. كان يبغي أن (يضطهد) نفسه ليكون اضطهاده لنفسه عقاباً لها؛ عقابا على عجزه وضياعه وما اقترف في حقها من أخطاء وآثام! أكان ذلك من جانبه لونا من العقاب الذاتي الناتج عن تغلغل النزعة الدينية المسيحية بين جوانحه كما ذهب إلى ذلك معظم النقاد؟ إن سارتر ينبذ هذا التفسير المتهافت الذي لا يستطيع أن يقف على قدميه؛ لأن هناك أدباء أشربت نفوسهم تلك النزعة الدينية منذ المولد وخلال النشأة والتربية ثم ساروا ردحا من الزمن في نفس الطريق الشاذ الذي سار فيه، ومع ذلك فما أبعد الشقة بينهم وبين بودلير في لقاء الحياة بمثل ما لقيها به من عقبات للنفس واضطهاد للذات!.
إن المشكلة إذن ليست مشكلة تلك النزعة الدينية من قريب ولا بعيد، ولكنها المشكلة التي تتعلق بمركب النقص ومركب التعويض. . رجل كان يشعر في أعماقه أنه لا وجود له أو أن وجوده كان أشبه بالعدم؛ ومن هنا راح يلتمس شتى السبل ليقنع نفسه أو ليخدعها بأنه