موجود. وهذه الخطوط المتنافرة التي كانت تحدد اتجاهات مصيره في الحياة تعود آخر الأمر لتلتقي في نقطة ارتكاز (وجودية) عمادها الكبرياء. . كبرياء الذات المهزومة!.
ما أشبه جوانب الشخصية البودليرية بعدد من (الغرف النفسية) التي تفتحا كلها بمفتاح واحد: غرفة للألم، وتسلمك هذه إلى غرفة أخرى للعذاب، وتسلمك هذه إلى غرفة ثالثة للعقاب، وتسلمك هذه إلى غرفة رابعة للسخط والثورة، وتسلمك هذه إلى غرفة خامسة للكهرباء. . نعني أنه رجل يريد أن (يجد) نفسه لأنه تائه مضطرب، وهذا هو الطريق الذي سلكه ليصل إلى ما يريد: بحث عن ألوان الشذوذ حتى اكتظت بها حياته، وحين تحقق له ما يبتغيه بدأ يتعذب، ثم طاب له أن يتخذ من هذه المرحلة معبرا إلى العقاب الذاتي الذي يتيح له أن يتبرم ويثور، وفي هذا تحقيق لكبريائه، وجوهر تلك الكبرياء الموهوم آهة حانقة على المجتمع ساقطة على الوجود. . لتشعره بينه وبين نفسه بأنه موجود!.
هذه هي خلاصة رأي سارتر في شارل بودلير؛ خلاصة تلك الدراسة النفسية التي ترفع السجف المدلاة على نوافذ هذه الشخصية المغلقة، ليندفع الضوء إلى شتى الجوانب والأركان. . وارجع بعد ذلك إلى كلمة الكاتب الأمريكي التي تفوح منها رائحة الاتهام؛ اتهام سارتر بأنه قد تجنى على مواطنه الشاعر. ارجع إليها لتدرك الفارق البعيد بين نظرتين في الحكم على بودلير: نظرة عابرة عند إليوت تؤثر الوقوف على السطح دون أن تتغلغل إلى الأعماق، ونظرة متأنية عند سارتر تميل بطبيعتها إلى رفع الحجب لتنفذ إلى ما وراء المجهول!.
حول الكاتب الفرنسي بلزاك
في العدد الماضي من الرسالة مقال عن القصاص الفرنسي بلزاك، وهو تلخيص بقلم الأستاذ علي كامل لكتاب ألفه الكاتب النمسوي ستيفان زفايج. . أنه تلخيص موفق على الرغم من أننا نود أن نضيف إليه أشياء وأن نعترض فيه على أشياء! أننا نعترض مثلاً على قول الأستاذ بأن (بلزاك كان يتأنق في فنه ويعيد تصحيح ما كتب بعد إرساله إلى المطبعة عدة مرات، حتى ضج منه الناشرون إلى درجة أن قاضاه بعضهم من أجل ما يتحملون من نفقات، نتيجة تصحيحاته وتغييراته التي لا تنتهي). . صحيح أن بلزاك كان