للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كثير التصحيح والتغيير لما يكتب، كما بعث إليه الناشرون با (لبروفات) بقصد الاطلاع والمراجعة ولكن هذا لا يفسر بأن بلزاك كان يميل إلى التأنق شأن كتاب الصنعة البيانية. . لقد كان أبعد الناس عن التنميق والتزويق لسببين: أولهما أنه كان كتباً مكثرا إلى حد لم يعرفه تاريخ الأدب الفرنسي في يوم من الأيام، ومثل هذا اللون من الإكثار لا يتيح لصاحبه أن يحتشد للتعبير أو يتأنق في الصياغة. أما السبب الآخر فهو أن بلزاك كان رائد (الواقعية) الأول في عصره وهو العصر الذهبي للرومانسية، ومن طبيعة الكتاب الواقعيين أنهم يضيقون بتلك الأساليب الرقيقة الحالمة التي لا تناسب غير أجواء الخيال. . كان بلزاك يمثل الأسلوب الواقعي في الكتابة مبتعدا عن تلك (الحدلفة) اللفظية التي كان يزهي بها كاتب مثل تيوفيل جوتييه، ذلك الرومانسي الحالم الذي كان يضم بلزاك إلى قائمة الكتاب الصحفيين! لم تكن كثرة التصحيح والتغيير إذن عند الكاتب الفرنسي نتيجة الميل إلى التأنق وإنما كانت نتيجة السرعة التي يفرضها الإكثار. . كان يكتب ويكتب ويكتب وهو غارق في أفكاره تائه بين أوراقه، لا يكاد يشعر بأي شيء حوله غير إبريق القهوة الذي كان بالنسبة إليه قبسا من أقباس الوحي والإلهام! وحين ينتهي من الكتابة ويلقي نظرة إلى أكداس الورق التي سطرها منذ حين فلا يجدها بجواره، يدرك بمألوف عادته أن عامل المطبعة قد حضر وجمع الورق وانصرف خلال تلك الغيموبة العبقرية. . وحين تعاد إليه (البروفات) لا يجد بدا من أن يتناولها بالتعديل والتبديل لأن السرعة الفائقة تكون قد أخرجت هذه العبارة عن خط اتجاهها الفكري، أو انحرفت بتلك عن طريقها النفسي الذي يريد لها أن نسير فيه، عند رسم نموذج من نماذج البشرية أو نقل مشهد واقعي من مشاهد الحياة!.

هذا شيء وهناك شيء آخر، وهو قول الأستاذ في موضع آخر من تلخيصه لكتاب زفايج: (وما كانت صداقته بعد مدام دي بيرني كصداقته لدوقة ابرانتيز ومدام ريكامييه ومدام رولما كارو ودوقة كاستري ثم أخيراً مدام دي هانكا إلا تطبيقا لتلك العقيدة التي كونها على ضوء حبه لمدام دي تيرني، وهو أن تكون المرأة له أما وشقيقة وصديقة وعشيقة في وقت واحد). . إن الذي نعلمه ونؤكده أن علاقة مدام ريكامييه ببلزاكلم تكن علاقة حب وإنما كانت علاقة إعجاب، وأن مدام ريكامييه لم تعرف الحب الجسدي ولا العلاقة الجنسية في

<<  <  ج:
ص:  >  >>