يلي حاجتها ويساير اتجاهها، متمشياً مع طبيعته محتفظاً بخصائصه، غير متكلف ما يعدل به عن مذهب الحرية والاختيار.
وكان المازني ممن شاركوا في هذا المجال وبرزوا فيه. ولفت ذلك نظر الأستاذ أمين الرافعي إليه، فدعاه إلى مشاركته في تحرير صحيفة (الأخبار) وهي إذ ذاك من كبربات الصحف الوطنية وأعلاها صوتاً، فعمل بها المازني سنوات، وفيها توطدت شهرته الصحفية، حتى ليمكن أن تعد تلك الفترة بداية التاريخ الصحفي في حياة المازني الكاتب الأديب. وفي الأخبار كان المازني ينشر إلى جانب مقالاته السياسية اليومية فصولاً أسبوعية في الأدب والنقد، ومنها الفصول التي جمعها بعد ذلك في كتابيه حصاد الهشيم وقبض الريح. وظلت هذه عادته في أغلب الصحف التي عمل بها.
وعمل المازني بعد ذلك في صحف شتى لا يعنينا هنا أن نحصيها في جملتها. واضطلع فترة رياسة التحرير في صحيفة (السياسة) تعرض أثناءها لما يتعرض له رؤساء التحرير المسئولون، فقد قدم إلى المحاكمة واستدعى للتحقيق معه غير مرة. في فترة تعطيل السياسة على عهد الوزارة الصدقية الأولى أصدر المازني بالاشتراك مع الأستاذين الدكتور محمد حسن هيكل ومحمد عبد الله عنان كتاب (السياسية المصرية وانقلاب الدستوري) في نقد سياسة ذلك العهد.
وقد حفلت حياة المازني الصحيفة في شتى مراحلها بالتجارب والأحداث، وكانت بعض هذه التجارب خليقة أن تعدل به عن وجهته وتحمله على الفرار بنفسه من الصحافة، ولكنه ظل صامداً إلى النهاية كما تعود أن يصمد في كل ميدان، وتغلب على متاعب المهنة كما تغلب على متاعب الحياة. ويروي المازني أنه كاد يتعرض يوماً للنفي بسبب مقال. وخلاصة الحادث أنه في بعض الأعوام كتب سلسلة مقالات عنيفة في الأخبار، يهاجم فيها الوزارة القائمة آنذاك. وكان من المعارضين لها. وحدث أن وقعت جريمة وحشية اعتبر الكتاب المعارضون مسئولين أدبيا عنها. وعلم بذلك الأستاذ أمين الرافعي فدعا إليه المازني وأخبره أن الوزارة قرت نفيه، وأن الأوفق أن يسافر إلى سويسرا حيث يراسل الأخبار من هناك. ويقول المازني:(أعددت حقائبي وأخبرت أمي وطمأنتها، وبت مؤرقاً طول الليل أنتظر أمر النفي وتنفيذه، وإذا بالوزارة تستقبل في فحمة الليل. . فنجونا ولما نكد!).