ومن طرائف المازني في الصحافة أنه اتفق يوماً مع صديق له من كبار رجال وزارة المعارف على أن يبعث إليه بمقالات في نقد أعمال هذه الوزارة، وكان المازني يعارض الحكم القائم، فكان هذا الصديق يرسل المقال إلى المازني فيحمله إلى بيته وينسخه بيده ويحرق الأصل اتقاء لعواقب التفتيش. ويقول المازني وهو يروي هذه الحادثة (قامت القيامة في وزارة المعارف، وانطلق بعض رجالها يسألون ويستخبرون ليهتدوا إلى كاتب هذه المقالات المزعجة، واستدرج بعضهم بعض العمال البسطاء، فعلموا أن المقالات بخطى، فلم يستغرب أحد أن أكون أنا الكاتب. وكنت في ذلك الحين أسكن حي الإمام الشافعي، ولي فيه أقارب وأصهار كثيرون، ومن بينهم شيخ الإمامين السبق المرحوم السيد أحمد محسن، فاتفف ذات ليلة أن كنت عائداً إلى بيتي، فإذا كل من يلقاني في طريقي يقول إن الشيخ يسأل عنك فذهب إلى بيته فلم أجده. وفي الصباح جاءني الخادم يقول إن الشيخ ينتظرني لأنزل معه في مركبته، فعرجت عليه وركبنا معا. وسألته عن الخبر، وكنا في رمضان، فقال: يا شيخ، حرام عليك! الرجل زارني أمس بعد الإفطار بربع ساعة، فهو إما غير صائم، أو هو لم يهنأ بطعام، وكل هذا من تحت رأسك! فاستزدته من البيان فقال: إن الوزير يعرف أنك كاتب هذه المقالات التي أقضت مضجعه، وهو مستعد أن يستصدر قرارا في الحال من مجلس الوزراء بإعادتك إلى الخدمة، وفي مثل الدرجة التي فيها أحسن زملائك حالا، وأن يحسب لك في معاشك المدة التي قضيتها خارج الحكومة. فضحكت وقلت: هبني كاتب هذه المقالات، فهل تكون الرشوة على هذه الصورة علناً، وعلى مرأى ومسمع من الخلق جميعاً؟ فقال لا تكن مغفلاً! ما خير هذه الصحافة؟ إن أسرتك كبيرة ونفقاتك كثيرة ولا اطمئنان على الرزق في الصحافة، فعد إلى عملك واستقر واحمد ربنا على الفرصة التي أتيحت لك. فقلت له: يا سيدي الشيخ، إن لكل ذمة ثمنها، ولا أحسبني فوق الرشوة إذا بلغت حد الإغراء، ولكنه ما من ذمة خربة تقبل الرشوة علنا ونهارا وجهارا على هذا النحو. ماذا يقول الناس؟ في المساء يقرءون الأخبار فإذا فيها مقال في نقد الوزارة، ثم يصبحون فإذا أنا موظف كبير في وزارة المعارف!).
ثم كان المازني في سنواته الأخيرة يعمل في أكثر من صحيفة، ويكتب إلى جانب ذلك للصحف التي تقترح عليه موضوعات الكتابة ولا تقيده بالناحية السياسية وحدها. وقد عد