للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البعض من مآخذه أنه جمع بين صحف تتعارض في السياسة والمبدأ. أما هو فما كانت رسالة الصحافة لتختلف عنده بين صحيفة وأخرى، وما كانت تعنيه الحزبية على الإطلاق. وقد ظل طيلة اشتغاله بالصحافة مستقلا برأيه، بل كان المازني ربما كتب معارضا لرأي الحزب الذي يعمل في صحيفته. فهو يؤيد ما يعتقده صوابا ويعارض ما يراه مخالفا للصواب. وكان حكمه على الأعمال لا على الأشخاص. فلم يمنعه تقدير لزعم كسعد زغلول من معارضة سياسته، ولم تحل معارضته العنيفة لسياسة صدقي دون الاعتراف بكفايته وعبقريته. وفي حياة المازني الصحفية، وهي طويلة، لم تجتذبه المساجلات والمعارك التي كثيراً مأثور بين الصحف، وقلما عنى بالخوض فيها. ولا مراء في أن المازني كان، في بعض العهود، معارضا شديد المعارضة، ولكنه لم يكن يخرج في معارضته عن حد النقد النزيه والإرشاد والتوجيه.

وعلى الرغم من الصلة القوية بين الصحافة والسياسة، كانت الكتابة الصحفية وحدها حد المازني من المعترك السياسي، فقد نأى بنفسه عنه، وكان مستعداً حتى لترك الصحافة لو أنها كلفته النزول إليه.

ولقد فوتح في أمر ترشيحه للنيابة فرفض الفكرة ولم يأسف على رفضها، بل لقد رفض أن يتقدم لانتخابات الرياسة في نقابة الصحفيين برغم إلحاح زملائه عليه. وقد اختير في بعض السنين وكيلا لها وما أحسبه رضي بهذا الاختيار إلا لأنه قدر أنه مستطيع أن يخدم به الصحافة، ولأن المنصب في ذاته لا خطر له في غير دائرته المحدودة وهي دائرة النقابة.

وقد طال اشتغال المازني بالصحافة ولم يكن صحفيا مع ذلك، أو هو كان صحفياً في حدود خاصة ونطاق لا يتعداه. فقد كانت وظيفته الأصلية وهوى نفسه الكتابة لا الصحافة. وهو يقدم لنا في أحد فصوله كتابه الساخر الممتع (صندوق الدنيا) صورة وصفية لصحفي، يقول في ختامها على لسان رئيس التحرير: (يا صاحبي إنك كاتب لبق يسعك مالا يسع فرقة بآسرها من الكتاب حين تجلس إلى مكتبك، ولكنك حين تلقي الناس لا تعود صالحا لشيء أو قادر على شيء. فاذهب إلى مكتبك ولا تزايله فما نستطيع أن نخلقك خلقا جديداً!) وأكبر الظن أن المازني كان يصدر في بعض جوانب هذه الصورة عن شعوره الشخصي، وأنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>