زار السودان في الأيام الأخيرة الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف في حكومة العهد الجديد عهد الإصلاح والتقدم. . . عهد الرخاء والمساواة بين الطبقات. وكان لتلك الزيارة التاريخية أثران عظيمان: أثر سياسي بارز خدم أغراضه خدمة وطنية صالحة، وأثر اجتماعي أنساني أدى رسالة إنسانية سامية إلى أبناء الجنوب أبناء الوطن الواحد الشقيق ما كان ليؤديها أسلوب آخر.
لقد كان العهد الدابر يثقل أنفسنا بأوضاره وأفكاره القذرة؛ وكانت رواسبه العميقة الجذور عالقة ببعض الأذهان حتى جاء وزير الشعبي البارع يضع يده فوق الأمراض المزمنة فيقتل جرثومة الداء العضال. . . كنت كغيري من عشرات الألوف الذين أتيح لهم الاستماع إلى المحاضرتين القيمتين اللتين ألقاهما الوزير العالم الحر على ذلك الحشد الكبير من الناس. كانت الأولى بدار الثقافة بالخرطوم وموضوعها الدين والمجتمع؛ والثانية بنادي أم درمان الثقافي وموضوعها الإسلام دين ودولة. وكنت كلما استمعت إلى الوزير الضليع يتردد من أعماقي همس يتحول على شفتي إلى قول الشاعر:
إذا استوزت فاستورز علينا ... فتى كالفضل أو كابن العميد
كانت الأعناق تتطاول والخواطر تتيقظ والنفوس تتلهف إلى ذلك الفيض الإلهي الغامر فتتلقاه واعية له مستوعبة لأهدافه وغاياته، مستلهمة ما ينبعث من قلبه المؤمن وكان كل إنسان حريصا على أل تفوته إشارة شاردة أو معنى عابر؛ فأمثال الباقوري هم أساتذة الحضارة ورسل الحياة في هذا الزمن الحائر القلق، ولعل رغبة الكثيرين من سكان السودان - وأرجو أن أكون معبر عنها - أن يقوم هذا النفر الكريم من أمثال الدكتور طه حسين، والداعية الكبير سيد قطب، والخطيب المفوه سعيد رمضان، برحلات ثقافية إلى السودان. فهل تبلغ تلك الرغبة إلى هؤلاء وأندادهم على صفحات الرسالة؟ وهل تستجيب الحكومة القائمة فتسهل لهم الطريق لشركوا إخوانهم السودانيين في أمن العهد الجديد وإشرافه؟.