ثم توغل في شريعة الحب حتى أراك أن الناموس أو شريعة الناموس تعتبر ناقصة إذا لم تكن شريعة الحب التي هي محور سلوك المسيح وتعاليمه؛ وهي بيت للقصيدة في حياته كلها (بهذه الشريعة شريعة الحب (والمحبة) نقض المسيح كل حرف من حروف شريعة الأشكال والظواهر).
وفي الفصول الأخرى ترى أن العقاد لم يعبأ بالعجائب ولا بأخبار المسيح في مدة وجوده بين العالم ثلاث سنين، بل اقتصر على زبدة تعاليم المسيح التي صار بها يسوع بن مريم مسيحا.
وقد أحسن الأستاذ صنعا في إغفال تلك العجائب التي يظن بعض الناس أنها كانت الوسيلة الوحيدة لانتشار الدين المسيحي. وهذا الظن هو الضلالة التي يكرهها المسيح. ولما طلبوامنه آية من السماء قال: إذا كان إبراهيم ويعقوب وغيرهما من الآباء لم يقنعوكم فلا تقنعكم الآيات.
والحقيقة أن المسيح لم يأت إلى الأرض لكي يقيم عازر من القبر، ولا لكي يحول الماء إلى خمر، ولا لكي يمشي على الماء، ولا لكي يفتح عيون العميان، ولا لكي يقيم المقعدين، ولا ولا؛ وإنما جاء لكي يقول ثلاث كلمات: أحبوا أعداءكم. باركوا لأعنيكم. أحسنوا إلى من أساء إليكم. من لطمك على خدك الأيمن فحول له الأيسر إلى آخره. وبهذه الكلمات يسير الآن وراءه ألف مليون نسمة على الأرض وأن كان معظم هؤلاء أو جلهم لا يفعلون ما قاله المسيح ولا يفهمون ما يعنيه؛ فهم ضعيفو الإيمان ومنهم من لا إيمان لهم وإنما هم يفخرون بانتمائهم إلى صاحب هذه الشريعة شريعة الحب والتسامح وأكثرهم لا يؤمنون بغير الدولار والدينار.
وأما قول بعض الناس إن المسيح يطلب من الطبيعة البشرية مالا تستطيعه؛ لأنك لا تجد واحداً في الألف يحول لك الخد اليسر إذا لطمته على الخد الأيمن، ولا من يحب عدوه، ولا من بارك لأعنيه، فإن من الحق أن هذا القول صعب على الطبيعة البشرية ولكنه ليس مستحيلا عليها، والمسيح نفسه عمل بهذه النظرية التي ظنوا أنها مستحيلة.
فقد كان يقول وهم يبصقون عليه ويطعنونه بحربة: (يا رب اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ما