يفعلون) ولم يثقل هذا على طبعه. وإذا كان كل واحد يفكر أن المسامحة تكسر الشر فيعد حين لا مود نرى أحداً ضرب على خد، القول:(لا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع باتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
فرضية المسيح بالتساهل والتسامح ليست فوق الطبع البشري بل هي تحت البشري وفي وسع كل إنسان أن يطبقها إذا أراد. وإذا كان الناس يتربون على هذه الوصية ويتعودونها يستسهلونها.
أعود فأقول إن المسيح لم يأت إلى الأرض لكي يعمل العجائب والخوارق وإنما جاء لكي يعلم الناس التساهل والتسامح والمغفرة، على نية أن العالم إذا سار كله على هذه السنة صار كله أمة واحدة وشعباً واحداً أو أسرة واحدة تتعاطف ويحب بعضها وتنتفي الشرور من بين أفرادها.
المسيح لم يأت لليهود وحدهم بل أتى لكل العالم بهذا المبدأ. وأظنه أول فيلسوف ظهر على الأرض بهذا التعليم. وكان قصده أن العالم كله يعتنقه بدليل أنه جمع تلاميذه وقال لهم: اذهبوا إلى جميع الأمم وتلمذوهم وعلموهم أن يحفظا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى أن ينتهي الدهر. وهو يعني أن رسالته هذه يجب أن تعمم كل الكون لعلها أن تكون الوسيلة الناجعة لانتشار السلام على الأرض.
فالمسيح لم يأت لأجل سلام اليهود وسلاستهم فقط بل أتى لأجل سلام كل العالم. وكان قصده أن يكون كل العالم أخوة. هذا ما عناه المسيح حين قال: احبوا أعداءكم، بدليل أنه لما اجتمع بتلاميذه قال لهم أذهبوا إلى جميع الأمم (لا إلى اليهود فقط) وتلمذوهم الخ. . على أمل أن تتطبع الأمم كلها بطبيعة السلام والمحبة والمسامحة فيسود السلام جميع الأمم.
هذه كانت رسالة المسيح على الأرض. ولكن اليهود في كل تاريخهم كانوا يقاسون من غزوات البابليين والآشوريين والفرس والرومان. وغيرهم فكانوا يتوقعون أن يظهر من بينهم ملك يقودهم للدفاع عن بلادهم ويخلصهم من هؤلاء الأعداء فكانوا يحتاجون إلى منقذ مثل موسى أو يسوع، فلما وجدوا أن يسوع هذا الذي شرع يعلمهم التعاليم المفيدة لهم اجتماعيا قالوا: لا. لا. ليس هذا هو الملك الذي ننتظره. ليس هذا هو القائد المنقذ هذا رجل أفاك. وصار الكهنة وجميع رجال الدين يرون أن تعاليمه هذه تحط من نفوذهم وتكسر