شوكة غطرستهم وتزعزع سلطتهم فجعلوا يطلبون رأسه. وما أسهل أن يوغروا صدر بيلاطوس الوالي الروماني عليه بحجة أنه يدعي أنه ملك اليهود وهم يعترفون بملك أجنبي غير قيصر.
ولما مثل المسيح لدى بيلاطوس سأله هذا: هل أنت ملك اليهود؟ فأجابه:(أنت قلت؛ ولكن مملكتي ليست من هذا العالم) وهو يعني أنها ليست أجساداً بل هي أرواح تفهم وتعمل في أجساد الحق والعدل والصدق والتقوى.
ولطالما كان اليهود يحاولون أن يأخذوا عليه مأخذ ضد الشريعة لكي يشكوه للوالي فجاءوا غليه بزانية وقالوا (هذه ارتكبت جريمة الزنى، وفي شريعة موسى ترجم بالحجارة فماذا تقول أنت؟).
فما لبث أن قال بكل جرأة:(من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر).
وماذا كانت النتيجة: كانت أنهم جعلوا يخرجون من المجتمع واحدا بعد الآخر ولم يوجد بينهم من يجرؤ أن يعترض على حكم المسيح لا لأنه أثر عليهم بتصرفه تأثيرا عجيبا، بل لأنهم وجدوا أنهم ضعفاء جدا لدى مبينه وحجته فخافوا أن يبطشوا بع بل جعلت ضمائرهم تبكهم بفعل كلمته فصاروا يخرجون واحداً واحداً.
ثم التفت إلى الوانية وسألها: أين الذين شكوك؟ أما دانك أحد؟ قالت: لا. قال ولا أنا أدينك. أذهبي ولا تخطئ بعد. من ذلك الحين تابت مريم المجدلية الزانية وصارت قديسة.
كان لمنظره في مثل هذه المواقف سطوة أو صولة أو هيبة ليست لزعيم ولا لقائد ولا لحاكم. ففي ذات يوم جاء إلى الهيكل ورأى أدناس الناس فيه: صيارفة وتجارة حمام وتجار حيوانات إلى آخره، فجعل يقلب موائد الصيارفة وأقفاص الحمام وهو يقول: تباً لكم أيها الشرار! جعلتم بيت الله مغارة لصوص. فلم يجسر أحد أن يصده أو أن يقاومه أو أن يشاجره بل جعلوا يخرجون من الهيكل قانعين بالسلامة.
لم يشر الأستاذ العقاد إلى كيفية انتهاء حياة المسيح، ولكنه اقتنع مثلي أن سلوك المسيح الذي أشرنا إليه هو بيت القصيدة في حياته. وقد جاء وعلم وعمل ومضى ولا يزال إلى اليوم مثلاً للأمم وسيبقى هكذا عدة قرون.
وفي ضني أن الإسلام إنما هو استمرار للمسيحية؛ ولذلك كانت حياة محمد وتعاليمه موافقة