رؤوس هؤلاء المتهمين. . فماذا تساوي تلك الرؤوس بالقياس إلى رأس حسن البنا؟ وماذا تساوي تلك الدماء بالقياس إلى ذلك الدم الزكي الذي أريق؟
ألا ما أعجز عدالة الأرض حينئذ، وما أقصر يدها عن العدل في أضيق معانيه!
إن أكبر الرؤوس في ذلك العهد الآثم، رؤوس (ولاة الأمور أولئك) كما يعبر عنهم ممثل الاتهام في احتقار. . إن أكبر الرؤوس يوم ذلك مجتمعة لا تصلح أن تكون موطئا لقدم ذلك الشهيد الكريم. ولا تحقق ذلك القصاص العادل من ذلك العهد الفاجر وممثليه أجمعين. . فكيف ببضعة رؤوس صغيرة أكبرها رأس ذلك الأمير الاي الصغير؟
هنا تبدو عدالة الأرض قاصرة. ويبدو تشريع الأرض هزيلاً. ويبدو مشرعو الأرض أقزاماً. .
وهنا تبدو المسافة هائلة بين تشريع الله للبشرية وتشريع الإنسان.
ما جزاء ولي الأمر الذي يهدر دم الأبرياء الطاهر؟
ماذا تقول عدالة الأرض في ذلك الاتهام الذي يذكره ممثل الاتهام على سبيل الجزم والتأكيد؟
لعل الحصانة الكاذبة (لولاة الأمور أولئك) هي التي قيدت يد ممثل الاتهام، فلم يستطع إليهم سبيلا!
فأي زيف زيف تلك الدساتير التي تسبغ الحماية على المجرمين وترفعهم فوق العدالة وفوق القانون؟ وأي عجز في عدالة الأرض وأي قصور؟
إن عدالة الأرض هذه لتمنع محكمة النقض في مواطن كثيرة أن تحكم ببطلان الحكم الجائز إذا لم تجد سبيلاً لقبول الطعن فيه شكلاً، فإذا كانت الإجراءات الشكلية كلها صحيحة ومستوفاة وقفت محكمة النقض عاجزة عن أن تنفذ إلى الموضوع. ممنوعة من إحقاق الحق الذي تراه، مكتوفة عن رفع الظلم الذي تعتقده!
وحتى حين تجد منفذاً في الشكل فإنها تقف مكتوفة اليدين إذا لم تجد في التطبيق القانوني الموضوعي خطأ. . مهما يكن الحلم مع ذلك جائرا.
ولقد وقف المرحوم عبد العزيز فهمي هذا الموقف في قضية البداري. لا يجد سبيلاً إلى دفع الظلم وتحقيق العدل إلا صرخة يبعثها من أعماق ضميره، صرخة في وجه قانون الأرض