الدين. هو عالم مستغل، يستخفه الدعاة والدجاجلة، يهتبلون غفلته في هذه الحياة التي ظن أنه ارتد إليها بعد همود، ويختلسون نفضة هذا الشوق المضطرم إلى أمان مبهمة غامضة. ويتولى قيادته في كل شأنه ألسنة لا تبالي، تستفزه إلى المغامرة في سبيل الحياة الماجدة الطيبة التي تجيش فيه. تستفزه بالنداء الصارخ باسم هذه العاني المبهمة في ضميره، وتعطيه وسائل وأساليب ويظنها معينة له على إدراك ما يشتاق إليه، وهي في الحقيقة مفضية به إلى التمرغ في حمأة الجهالة والعبودية والغرور الكاذب، إلى أن يقضي الله في الناس بأمره وقضائه.
وأخطر هذه الألسنة التي تستفز هذا العالم، هي الألسنة التي اتخذت كلمة الإسلام لغواً على عذباتها - لا لأنها أعظم شأناً وأعز سلطاناً من الألسنة الأخرى، ألسنة المموهين باسم الحرية، واسم العلم، واسم الفن، واسم الأخلاق، بل لأنها تعمد إلى كتاب أنزله الله بلاغاً للناس، وحكمة أوحيت إلى رسوله لتكون نبراساً للمهتدين، فتحيلهما إلى معان من أهواء النفوس التي لا نعرف الحق إلا في إطار من ضلالاتها وأوهامها. ثم يتبعهم التابعون الجاهلون اتباعاً، هو سمع وطاعة، ولكن لغير الله ورسوله، بل للزور المدلس على كتاب الله وسنة رسوله. وإذا هؤلاء المتبعون يعدون هذه الضلالة ديناً، ويظنون هذا الدين الجديد إحياء للإسلام. وإذا هم يأخذون دينهم من حيث نهوا أن يأخذوا. يأخذونه عن مبتدع في الدين برأيه، محيل لنصوصه بفساد نشأته، مبدل لكلماته بهوى في نفسه، محرف للكلم عن مواضعه بما يشتهي وما يحب، مختلس لعواطف الناس بما فيه من حب اتباعهم له، خادع لعقولهم برفعة الإسلام ومجد الإسلام، وهو لا يبغي الرفعة والمجد إلا لنفسه.
ولقد أنبأنا معاذ بن جبل رضي الله عنه بصفة ما نحن فيه إذ قال يوماً لأصحابه: (إن من ورائكم من فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والعبد والحر، فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتبعي حتى ابتدع لهم غيره. فإياكم وما ابتدع، فإن ما ابتدع ضلالة. وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلال على لسان الحكيم. وقد يقول المنافق كلمة الحق. قال له يزيد بن عميرة أحد أصحابه: ما يدريني رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ قال معاذ: بلى! اجتنب من كلام