فائز بوسام الشرف، تحلي صدره نياشين المجد والفخار. على أنه لا تكاد تعقد الهدنة العامة وينطفئ جحيم المجزرة البشرية الكبرى، وتوزن الأعمال بميزان أقرب إلى العدل والمنطق حتى نرى الذين كانوا يعتبرون بالأمس أبطالاً صناديد، والذين ببسالتهم النادرة وإراقة دمائهم دون حساب ضمنوا لجيشهم الفوز مراراً في ساحة الوغى، نراهم اليوم وقد أضحى الجميع يعتبرون عملهم جريمة لا تغتفر. وينظر إليهم مجلس الحرب نفسه نظرة الخارجين على القانون، المنتهكين لحرمة الشرف العسكري!
وبانتهاء الحرب ينصرف الجنود جميعاً إلى بلادهم وذويهم متنفسين الصعداء بعد أعوام مريرة من العذاب والشقاء. إلا أن هذه الظاهرة العادية لا نجدها عند الكبتن كونان ورفاقه. إذ يصور لنا روجيه فرسل كيف عاد كونان إلى مسقط رأسه يعمل كما كان تاجراً بسيطاً كسير القلب محطم النفس، غير راض عن حالة السلم والهدوء، غير مرتاح إلى العيش في مجتمع لا يناسب ميوله وغرائزه التي بعثتها الحرب من مرقدها، وأصبح لا يجد إلى التخلص منها سبيلاً
ويتزوج كونان. ثم تمضي الأيام فإذا الحياة الهادئة الوادعة لا تناسبه فيترهل جسده وتنتفخ أوداجه، ويضنيه مرض الكبد وكلما تقدمت به السن شعر بأنه فقد كل شئ. وضاق بالحياة كلها ذرعاً
إن روجيه فرسل يجمع في قصته فكرتين: أولاهما الإعجاب بأولئك الأبطال والرثاء لهم، وثانيتهما الدعوة ضد الحرب، فهو لا يبرر الحرب التي توقظ في هذا النوع من الناس بطولتهم الراقدة تحت وعيهم. بل هو العكس يريد أن يبين لنا أن (الحرب هي الشر الأعظم) كما يقول. أليست هذه الشخصيات التي يصورها لنا خير تصوير كأبطال الحرب الحقيقيين هي كذلك أولى ضحاياها؟ أليست شجاعتهم الخارقة تجعلهم أول وقود لسعيرها الجهنمي؟ ثم أيضاً ذلك النقر مبهم الذي ينقده الحط الحسن من الموت في ميدان القتال، ألم تتحطم سعادته، وتشقى حياته كما رأينا في كونان، ذلك التاجر البسيط الوديع الهادئ العيش الذي أصبح بعد أربعة أعوام من المذابح البشرية رجلاً أجدر به أن يوضع في عداد المرضى حين لا يستطيع الحياة في مجتمع خلو من القتل وسفك الدماء؟!
تلك هي ميزة قصة (كبتن كونان) الكبرى، فلقد كتب عن الحرب منذ بدئها إلى الآن عدد