للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا يعرفون لهم قانوناً إلا الشجاعة الخارقة التي يجب أن تذوب أمامها كل عقبة تحول بينهم وبين تحقيق ما يرغبون. فبينما نرى في كثير من الأحيان أن سائر فصائل الجيش ينقصها الزاد والماء، نرى ذلك عند فصيلة الكبتن كونان دائماً كاملاً موفوراً بل زائداً عن حاجتهم. وبينما نرى سائر الجنود يرهبون النزال مع العدو وجهاً لوجه حيث يمزق بعضهم أجسام بعض بالسيوف أو بأسنة الحراب، ويعتبرون ذلك أشد ضروب القتال هولاً. نرى الكبتن كونان وأتباعه لا يترددون لحظة في الهجوم على خنادق العدو، وقد تسلحوا بالقنابل اليدوية والخناجر معلقة إلى جوانبهم يغرسونها في أحشاء أعدائهم دون شفقة ولا رحمة حتى أطلق عليهم أسم (منظفي الخنادق). ذلك أن كلاً منهم كما يقول رئيسهم (كونان) لا يعرف إلا أنه (محارب) فحسب، وليس جندياً يخلص للنظم العسكرية وتقاليدها كما يفعل سائر الجنود الآخرين. بل هم ينظرون إلى هذه النظم والتقاليد العسكرية نظر الاستهتار بها والاحتقار لأثرها في الانتصار. وإنك لتستطيع أن تفسر جيداً نفسية أولئك (المحاربين) حين تقرأ كلام (كونان) إلى أحد رفاقه الذي يلومه على تصرفاته هو وزملاؤه ويقول: (حاول قليلاً أيها العجوز المسكين أن تفهم) فيجيبه كونان:

(أفهم؟ أتظن أنني لا أفهم لأنني أتكلم بصوت عال؟ إنني أعرف جيداً منذ بعيد أنهم كانوا يخجلون من أعمالنا، وكانوا لا يعرفون جيداً كيف يتخلصون منا! إنني أنا وشباني الذين خضنا حقيقة غمار الحرب، ونحن الذين يرجع إلينا كل فضل في الانتصار! أنا ومن يماثلني من الأعوان الذين أرعبنا الجيوش. أسامع أنت؟ الجيوش التي كانت ترانا في كل مكان، وكانت لا تحسب لغيرنا حساباً، ولا ترهب سوانا منذ اندلعت أول شرارة! إن قتل جندي أمر في استطاعة كل فرد أن يقوم به، أما مهمتنا نحن فكانت قتل ذلك الجندي بطريقة تلقي الفزع في أدمغة عشرة آلاف آخرين! لذا كان من اللازم الذهاب للقاء العدو بالخناجر. أفاهم أنت؟ إن الخنجر هو الذي كسب الحرب، وليس المدفع! إن ذلك النوع من الرجال الذي أحدثك عنه لا يزيد على ثلاثة آلاف في كل جبهات القتال. على أن هؤلاء هم المنتصرون وحدهم. هم المنتصرون الحقيقيون!)

والقارئ لا يستطيع أن يتمالك نفسه من الأسى والتأثر أمام الخاتمة المحزنة التي تنتهي بها مأساة تلك الشخصيات الغريبة. فقد مضت سنو الحرب الأربع، وإذا (كونان) بطل مقدام

<<  <  ج:
ص:  >  >>