التقارب فلا تكون ما الشرطية وما النافية في الآية الكريمة (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه، وما للظالمين من أنصار) مثلا ظاهراً، لطول الفاصل بينهما. فإذا ما تحرينا هذين الشرطين وجدنا من هذا النوع أمثلة غير قليلة. فمما يتعلق بما من ذلك قوله تعالى:
(قلتم ما ندري ما الساعة): سورة الجاثية
(ما قلت لهم إلا ما أمرتني به): سورة المائدة
(إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله): سورة هود
فإذا ضممنا إلى الشطر الأول من هذا المثل ما سبقه في نفس الآية وجدنا مثلاً لطيفاً لورود (ما) ثلاث مرات بثلاث معان مختلفة: (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت)
ومن الأمثلة التي تم الجناس فيها بورود (من) بمعنيين مختلفين قوله تعالى من سورة البقرة: (يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) فالأولى موصولة والثانية شرطية. وقد راعينا في هذه الأمثلة الشرطين اللذين اشترطنا وتجنبنا ما لم يتوفر فيه شرط الانفصال ولو في الظاهر كما في قوله تعالى من سورة البقرة:(فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون) ففيه اتصلت ما المصدرية بالكاف. وكما في قوله تعالى من سورة الكهف (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) أو قوله تعالى: (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها) فقد اتصلت من الاستفهامية بالفاء في الآية الأولى، وأدغمت من في من الموصولة في الآيتين فكانتا كالكلمة الواحدة في النطق وفي الرسم. وإلا فهذا النوع في القرآن الكريم كثير.
على أننا إذا جعلنا اختلاف المعنى للكلمة المكررة هو العمدة والفصل في الجناس التام انفتح لنا منه في باب آخر هو باب الكلمة يختلف معناها لا باختلاف نوعها كما في الأمثلة السابقة ولكن باختلاف مرجعها والمراد منها وإن ظلت الكلمة هي هي في حقيقتها. خذ مثلا إليك قوله تعالى (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) في موضعها من سورة الرحمن. إذ المعنى في الإحسانين ليس بواحد، فإن الإحسان الأول هو من العبد في العمل، والإحسان الثاني هو من الله في الجزاء. فالأول بمعنى الإتقان والإخلاص لله في العمل، والثاني