والتأثيرات، فإذا سمعوا الكلام الملحون المرة بعد المرة يوشك أن تفسد ملكاتهم وتستعجم لهجتم.
ويتصل ببحث استظراف السليقية في الكلام الملحون بحث آخر فيه طرافة وله علاقة ببحث اللهجات وهو: هل يجوز للكاتب أو المحدث أن ينقل الكلام الملحون بنصه من دون تغيير؟ والجواب عن هذا يعلم مما مر بالضرورة. أليسوا قد أجازوا التكلم بالملحون فلأن يبيحوا نقله أو روايته بالطريق الأولى. على أن أساطين الأدب العربي صرحوا بالترخص فيه بل بترك الكلام الملحون على اعوجاجه وقبيح أغلاطه.
قال الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين) ومتى سمعت حفظك الله نادرة من كلام الأعراب (وقد عنى بهم أرباب السليقية الفصحى) فإياك أن تحكيها إلا مع إعرابها ومخارج ألفاظها. فإنك إن غيرتها بأن لحنت في إعرابها أو أخرجتها مخرج كلام المولدين والبلديين خرجت من تلك الحكاية وعليك فضل كبير وإن سمعت نادرة من نوادر العوام (وقد عنى بهم أصحاب السليقية العامية) أو ملحة من ملحهم فإياك أن تستعمل لها الإعراب أو تتخير لها لفظاً حسناً فإنك إن فعلت أفسدت الإمتاع بها وأخرجتها من صورتها التي وضعت لها وأذهبت استطابة السامعين إياها. فالجاحظ يرى أن رواية الأقوال الملحونة والنوادر الملتوية اللهجة يستطيبها الجلساء ويلذون بسمعها وخاصة إذا كان اللحن (من الجواري الظراف والكواعب النواهد والشواب الملاح) فإن ذلك يستملح في كلامهن ما لم تكن الواحدة منهن صاحبة تكلف فإن المتكلمة للكلام الملحون تسمج ويتجافى عنها ويكثر هذا اللحن المستملح في الأعجميات من النساء كالروميات والأرمنيات.
أعجب ما أسمع منها في السحر ... تذكيرها الأنثى وتأنيث الذكر
والسوءة السواء في ذكر القمر
وما قولكم في أبي اسحق بن سيار النظام فإنه كان يلحن في كلامه ويروي عنه صديقه الجاحظ كلامه الملحون ويعتذر عنه بل يسوغ له عمله: فقد روى في كتابه الحيوان (جزء ١ص١٣٦) أنه خرج مع النظام ليلة في بعض طرقات الأبلة فألح على النظام كلب من شكل كلاب الرعاة فثبت له ولم يجزع وأقبل على الجاحظ يحدثه عن نفسه ويعدد خصاله إلى أن قال ما نصه: إن كنت سبع فاذهب مع السباع. إلى آخر حديثه؛ فعلق الجاحظ على