تحت ستار من الدين. ولست أقل منه سخطاً على الدين نفسه - كل دين - إن كان من مبادئه أن يحل القتل والدمار في سبيل السلطان والمنافع الدنيوية. ولست أيضاً أقل منه سخطاً ونقمة على الغربيين المستعمرين ومظالمهم المجرمة في بلادي. ولا ينس الشيخ أنني اشترك مع هؤلاء المستعمرين اليوم، ومع أجدادهم الصليبيين بالأمس، بالعقيدة الدينية، ولكنني أحتقرهم وأنقم عليهم بدافع من شعوري العربي القومي الذي أذلوه ولا زالوا يمعنون في إذلاله.
وهذا الذي أقوله هو كل ما يقوله مسيحي عربي واع. وأظن الشيخ يوافقني في أن قياس الحكم في مثل هذه الأمور هو الإنسان المثقف الواعي وليس السواد الأعمى. ولهذا أرجو أن يكون هذا الجواب كافياً لإزالة ما بنفس الشيخ من هذه الناحية.
أما أن الثلاثمائة مليون من المسلمين غير العرب أحق أن يؤلفوا مع العرب وحدة كبرى، فإنني أخالف الشيخ فيه كل المخالفة. ولست أظن الشيخ قد نسى (الشعوبية) - وهي لعنة أقدم وأدهى من الصليبية - وما جرته على الأمة العربية من خراب وذل، مما لا يزال يرويه التاريخ بكثير من الخجل والمرارة. والشيخ لا يجهل أن الشعوبيين هم من الجماعات غير العربية التي أفسح لها الإسلام من رحابه كرماً، ووسع لها في كنفه تسامحاً، ولكن إسلامها لم يمنعها من النقمة على العروبة - والعروبة منشأ الإسلام ومنبته الأول - فكانت هي أول العوامل على تقويض سلطان العروبة والإسلام.
ولست أرى في موقف الشعوبيين ذلك ما يستحق المؤاخذة على الإطلاق، فقد كانوا برغم وحدة العقيدة الدينية يشعرون بأن العرب أمة فاتحة، احتلت بلادهم، وجبيت إليها أموالهم، وتسلطت على ممالكهم تسلط الفاتحين، وعاملتهم في عهد الأمويين معاملة الخدم والموالي، فكانوا لذلك ينظرون إلى هذه الأمة الفاتحة - أو المستعمرة بلغة اليوم - بشعورهم القومي العدائي الحذر، تماماً كما ننظر اليوم إلى المستعمرين الغربيين بشعور الكراهية والعداء القومي.
والذي حدث في الماضي لدينا منه نماذج في حاضرنا المشهود - وهو فيما نرى شيء طبيعي جداً في مفهوم القوميات. - فهذه تركيا. . . جارتنا المسلمة - ترى أي رابطة يمكن أن تقوم بينها وبين سوريا - بلد الشيخ الطنطاوي العربية المسلمة؟ - ألم تقطع من قلب