سوريا جزءاً عزيزاً غالياً هو لواء الإسكندرونة الذي لا يزال كل سوري يحلم باستعادته؟ وتركيا بهذا قد كسبت لنفسها نصراً قومياً على حساب خسارة العرب القومية.
ألم تنكر تركيا لشعورها الديني نفسه ولشعور العالم الإسلامي كله، في عهد قريب جداً، وتحارب اللغة العربية رغبة في تنمية شعورها القومي، وصيانة سيادتها القومية الكاملة؟ ثم ألم تتنكر تركيا المسلمة نفسها في عهدها الحاضر لكل ما أجمعت عليه جاراتها العربيات المسلمات من محاربة إسرائيل - عدوة العرب وحدهم، لا المسلمين كلهم - ومقاطعتها ومحاصرتها وعدم الاعتراف بها؟ وهل يذكر الشيخ لتركيا موقفاً جدياً واحداً في تأييد أماني البلاد العربية معاضدة قضية من قضاياها؟
ويشهد الله أنني لا ألوم تركيا في شيء من هذا، فهي تعرف مصالحها السياسية والقومية، وتعمل ما يناسبها بوحي من هذه المصالح وحدها، ولكنني أسوق هذه الأمثلة والحجج لأثبت للشيخ أن الدين وحده ليس بالرابطة التي تصلح لبناء وحدة الأمة، فلعله يؤمن معي بأن (الإدارة المشتركة) موجودة بين أبناء العروبة أتم وجود، بينما هي بين الشعوب الإسلامية، كما هي بين الشعوب المسيحية والوثنية واللادينية أيضا، إذا أمكن وجودها إلى حين، فلا يمكن وجودها إلى الأبد، ولا إلى وقت طويل، لأنها روابط مصلحية وقتية لا شعور طبيعي.
لست أنكر أن المسلم العربي يشترك مع المسلم غير العربي في الشعور الديني، كما يشترك المسيحي العربي مع الإنكليزي أو الفرنسي أو الأمريكي مثلا بهذا الشعور الديني، ولكن هنالك حقيقة كبرى لا يجوز أن نتجاهلها وهي أن المصالح القومية لن تتقيد في يوم من الأيام بالشعور الديني وحده، فالمسيحي العربي ينظر للمستعمرين الغربيين. . . وهم من دينه. . . نظرته إلى أعداء بغيضين، يتمنا أن تتيح له الأيام فرصة الثأر منهم لكرامته القومية المهانة. وقد اثبت بالفعل في كل مناسبة شدة عدائه لهم، وفلسطين اقرب شاهد على هذا.
إنني مع الأستاذ الطنطاوي في أن الأمة العربية لم يوحدها ولم يكتب لها تاريخ سوى الإسلام، وأنا أعتز مع الأستاذ كل الاعتزاز للإسلام وبهذا المجد الذي كتبه الإسلام للأمة العربية. فالإسلام مصدر فخر واعتزاز قومي لكل عربي ولكن (العروبة) التي خرج منها