الإسلام لن تكن قط مصدر فخر واعتزاز لكل مسلم غير عربي. وإذا كانت بعض الشعوب الإسلامية تشارك البلاد العربية في شعورها وأمانيها في بعض المناسبات، فليس معنى هذا أنها ترغب مخلصة بربط حياتها ومصالحها السياسية والاقتصادية معها برباط واحد وإلى أمد طويل، ولكن مصالحها الحالية وكلها شعوب يعيث فيها النفوذ الأجنبي المجرم، تدفعها إلى أن تقوي مركزها بأي وسيلة ممكنة، وبالتعاطف بينها وبين أي كتلة من الشعوب الأخرى، القريبة منها والبعيدة التي تشترك معها لأجل الحرية، تماما كما فعلت فرنسا وبريطانيا في الحربين العالميتين الأخيرتين وإلى الآن، على الرغم مما يتذكره كل بريطاني وكل فرنسي في تاريخ الأمتين من حروب وعداوات طويلة الأمد.
أفلا يؤمن معي الأستاذ الطنطاوي إذن بأن الأقرب إلى العقل والمنطق السليم هو أن تقوم (الأمة العربية) على وحدة الشعور، والتاريخ، واللغة، والتقاليد، قبل أن تقوم على رابطة الدين وحدها.
وهذا لا يمنع من أن ترتبط الأمة الواحدة ذات الإرادة المشتركة الواحدة، والتاريخ الواحد، واللغة الواحدة، والتقاليد الواحدة، برباطات التكتل الدولي والصداقة مع سائر الشعوب التي تجمعها بها دوافعه الكفاح للتحرر من سلطان المستعمرين - سواء أشاركتها في الدين أم خالفتها فيه - لأن هذا يدخل في باب (المصلحة الوطنية) لا الشعور القومي المشترك، وهو يقوي من مركزها في كفاحها ضد الظلم.
بعد هذا أود أن يعلم الشيخ إنني لست أدافع عن عقيدة حزب معين فلست من المنتمين إلى الحزب الذي يقول حضرته بلهجة الاحتقار أنه (قد ألفه في عهد الفرنسيين أحد شباب النصارى) - وهو يقصد حزب البعث العربي ومؤسسه ميشيل عفلق - ولكنني واحد من الذين يتعصبون للعروبة عن عقيدة واقتناع ويؤمنون بأنها الوسيلة الوحيدة لوحدة الأمة العربية، ولإقامة تاريخ جديد على أسس من المنعة والرفعة والكرامة، لهذه الأمة العربية التي أشترك أنا والشيخ في الانتساب إليها والاعتزاز بها، برغم اختلافنا في الدين، هذا الاختلاف الذي جاءنا بحكم الولادة والأسرة، وليس للشيخ ولا لي أي فضيلة أو يد في اختياره.