ثم أحيل على المعاش، فاشتغل بتحضير (الأرواح) وانهمك فيه وجمع حوله بطانة من محبيه ومريديه يعقدون بين الفينة والفينة (جلسة) لتحضير الأرواح والتذاكر في أحوال الدنيا والآخرة، ولتبادل الآراء في فلسفة الحياة وما بعد الحياة. واسم هذا الرجل (عبد الصبور) وقد قطع حياته عازبا، وكان يرى أن الزواج هو سبب الشقاء والبلاء وسبب خراب البلاد والعباد!
وأما المرأة فهي (أم رتيبة) التي كان أخوها هذا عائقا دائما لها دون الزواج، فقد خطبها الكثيرون فأباهم أخوها ورفضهم جميعا لما كان يراه في أمر الزواج، فقطعت حياتها هي الأخرى عزبة حتى بلغت الخامسة والأربعين وهي بين الحسرة والأسف واللهفة على الزوج الحبيب، والولد النجيب!
وكان لها جار اسمه (سيد أفندي) يشتغل خبيرا فنيا في معمل (طرشي)! جاء يخطبها من أخيها (عبد الصبور) الذي ما كاد يعلم صناعته حتى طرده شر طرد لما كان بينه وبين (الطرشي) - كما يقول - من عداء قديم مستحكم! ثم مات أخوها فإنكشفت الغمة وزال العائق الثقيل وتزوجت (أم رتيبة) من (سيد أفندي) على يد (مأذون) صديق من مريدي أخيها (عبد الصبور) ومحبيه.
وقد كتبها المؤلف (الأستاذ يوسف السباعي) باللغة العامية؛ لأنه يرى أنه (من الجنون أن يحاول إنطاق أبطالها باللغة العربية) وللمؤلف في ذلك بواعث وأعذار! أما البواعث فهي أنه متغلغل في فهم الروح الشعبية واللغة العامية تغلغلا قل أن توفر لغيره، فهو يجد يسرا وسهولة في الأداء باللغة العامية قد لا يجدهما في الأداء باللغة العربية! وأما الأعذار فإن أبطال الرواية - أو أغلبهم على الأصح - من عامة الشعب الذين لا تجري اللغة العربية على لسانهم في شئ، فكان من كمال (الواقعية) - في نظر المؤلف - أن يكون كلامهم باللغة العامية! وجو الرواية - كذلك - جو شعبي خالص، لا يبدو فيه الكلام العربي إلا كما تبدو الرقعة في الثياب! هذه بواعث وأعذار المؤلف - على ما يبدو لي - في استعمال اللغة العامية، ولكني نظرت فوجدته يخاطب الخادم (زينهم) المسرف في الشعبية بقول أبي نؤاس (وداوني بالتي كانت هي الداء)، ويخاطب الخادمة (سنية) بقول أبي العلاء (هذا جناه أبي علي) فكيف تسنى لهما أن يفهما ذلك وهما أقل أشخاص الرواية علما وإدراكا؟ ووجدته