للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الرأي الذي أرى؛ فقد كانوا يزعمون، ومازالوا يزعمون إلى اليوم في كتبهم وفي محاضراتهم العامة والخاصة وفيما يلقنون تلاميذهم من دروس التاريخ، أن العصر المملوكي قد انتهى في مصر منذ أوائل القرن التاسع عشر، حين تولى محمد علي وخلفاءه من بعده عرش مصر. وهو زعم يبعد كثيراً أو قليلاً عن الحقيقة التي أومن بها وارجوا أن يؤمن بها المثقفون جميعاً؛ فإن عصر محمد علي وما بعده إلى ٢٣ يوليه الماضي، لم يكن لا امتداداً لعصر المماليك الذي بدأته شجرة الدر بتولية زوجها أيبك التركماني الجانكشير عرش البلاد، ليتسلل من بعده في المماليك طبقة بعد طبقة إلى محمد علي (وطبقته)!

وقد كان محمد علي نفسه يؤمن بهذه الحقيقة، فهو لم يفد إلى مصر سيداً ليحكم، ولكنه وفد إليها كما وفد من قبله ومن بعده (مماليك) لا يحصيهم العد، فوثبوا بالغدر أو بالحيلة أو بكفالة المقادير إلى السلطة ولبسوا التاج. . .

ولا يقولن أحد إن محمد علي لم (رقيقاً) في يد النخاس قبل أن يلي العرش حتى نصفه بالمملوكية؛ فإن سلاطين المماليك من عهد أيبك إلى عهد طومانباي، لم يكونوا كلهم أرقاء مشترين بالمال، بل كان منهم (أحرار) لم يدخلوا تحت الرق قط، وفدوا إلى مصر لأن لهم صلة ببعض أصحاب السلطة فيها، فجاءوا مدعوين أو واصلين أو معينين لبعض السلطة هؤلاء على أمرهم، فطابت لهم الإقامة واستقر بهم الكمان وتهيأت لهم أسباب الحكم حتى وصلوا إلى العرش، وكانوا مع ذلك في عرف المؤرخين (مماليك) وإن لم تدم آذانهم يوماً في يد النخاس.

وإذن فإن كلمة (مملوك) لم يكن يتحقق معناها اللغوي كاملاً في اصطلاح مؤرخي عصر المماليك؛ لأنهم كانوا يعتبرون خصائص الكم وخصائص الحاكمين العامة لا الصفة الفردية التي تتصل بالمعنى اللغوي لكلمة مملوك.

وإذن فقد كان محمد علي مملوكاً، أو مملوكياً، وإن لم يعرف من ماضيه أنه كان رقيقاًمشترى بالمال؛ لأن الاصطلاح التاريخي لا يأبى عموم هذه الصفة حتى تشمله.

ومع ذلك فمن ذا يعرف من ماضي محمد علي ما يثبت به أنه كان في يوم من الأيام رقيقاً ينادي عليه الدلال في سوق العبيد؟ إن كل ما نعرفه عن ماضيه أنه كان يعمل في (قوله) أجيراً لدى بعض تجارها؛ ثم لا نعرف له على وجه اليقين منشأ ولا أبوة ولا أسرة ينتسب

<<  <  ج:
ص:  >  >>