للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إليها؛ فإن لم يكن مملوكاً فكأن قد كان!

ولم يصطنع محمد علي وسيلة غير وسائل المماليك ليبلغ العرش، ثم لتوسيع رقعة ملكه؛ ولعل في كل ذلك صورة مكررة لعلي بك الكبير؛ فقد بدأ بالاحتيال، ثم بالغدر، ثم بالزحف على أملاك الدولة العثمانية؛ فلولا مؤامرة أخيه مراد، وخيانة أخيه محمد أبي الذهب، لبدأ (عصر محمد علي) قبل موعده بنصف قرن، ولكن باسم آخر، هو (عصر علي بك الكبير).

وقد يقال إن محمد علي ألباني من قولة، والمماليك شركس من (جورجيا)؛ فهو يخافهم في العنصر والجنس. وهذا وهم باطل؛ فلم يكن المماليك جميعاً من الشركس إذ كان منهم القوقازي، والصقلبي، والبلغاري، والرومي، والمقدوني، إلى أجناس شتى لا تبعد كثيراً عن الجنس الذي ينتمي إليه محمد علي؛ وإنما كانت نسبتهم إلى الشركس للغلبة لا للاطراد. . .

وقد يقال إن محمد علي كان رأس أسرة حاكمة يتسلسل فيها الملك بالوراثة، وليس هذا دستور المماليك. وهذا أيضاً وهم باطل، فإن محمد علي أولاً لم يكن رأس أسرة، لأن إبراهيم الذي ولي العرش من بعده لم يكن من ولده، ولكنه كان ربيبه، ابن زوجته، تربى في حضانته فأضفى عليه صفات الولد، ثم عاد الملك بعد إبراهيم إلى أولاد محمد علي، ثم رجع ثانياً إلى أولاد إبراهيم، فتسلسل فيهم من إسماعيل إلى توفيق، إلى عباس الثاني، إلى حسين، إلى فؤاد إلى فاروق؛ ولم تكن نسبة هؤلاء إلى محمد علي إلا من حيث أنه كان في مقام الأب من أبيهم إبراهيم فلم يكن محمد علي إذن رأس أسرة بالمعنى الحقيقي بحيث يمكن أن يقال إنه خرج في وراثة العرش عن دستور المماليك. . .

على أن وراثة العرش مع ذلك كانت دستور من المماليك في ظروف شتى؛ حتى ليصح أن نحصي من سلاطينهم أسرات تسلسل العرش فيها من والد إلى ولد إلى حفيد؛ فهناك أسرة بيبرس، وقلاوون، وبرقوق، في السلاطين المتقدمين، وأسرة قايتباي والغوري في المتأخرين. . .

وقد قلت في بعض ما سبق؛ إن محمد علي نفسه كان يؤمن بالحقيقة التاريخية التي تجعل حكمه في عرف المؤرخ المتجرد امتداداً للعصر المملوكي في صورة جديدة؛ ودليلي على ذلك هو حرص محمد علي على إبادة (النظراء) في مذبحة القلعة الغادرة؛ ثم حرصه

<<  <  ج:
ص:  >  >>