للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وحرص المحترفين من مؤرخي عصره على إسناد كل نقيصة إلى المماليك ووسم عهدهم بالفوضى والتهتك والهتك والسفك، ليوقع في وهم هذا الشعب المغلوب على أمره أنه من طراز آخر وجنس آخر غير جنس المماليك وطرازهم، مع استمراره برغم ذلك في جلب مماليك من جنس آخر، ليتخذ منهم بطانة له وحاشية ويضع في أيديهم مقاليد الأمور في البلد الذي أدانه لحكمه. . .

وكان من خصائص الحكم المملوكي أن يحتفظ (المماليك) بجنسهم نقياً فلا يتخذوا من بنات الشعب أزواجاً ولا يزوجوه من بناتهم، إلا أن تكرههم على الخروج عن هذه القاعدة مكرهات لا قبل لهم بدفعها. وكذلك كان محمد علي وخلفاءه من بعده؛ فلم يحاول هو، ولم يحاول أحد من خلفاءه، أن يخلط نسبه بالشعب بالزواج من مصرية أصيلة النسب إلا محاولات في السنين الأخيرة للتقرب من الشعب بعد أن نضج وعيه، ولكنها كانت محاولات خادعة للإيهام بالصورة الظاهرة دون أن تغير شيئاً من حقيقة الأمر؛ فإن فلانة وفلانة وفلانة من زوجاتهم، لسن مصريات خالصات النسب؛ آباءهن وأمهاتهن من سلائل مماليك محمد علي؛ ومن أجل هذا دون غيره كان اختيارهن زوجات، وإن زعم من زعم من محترفي المؤرخين غير ذلك!

فقد ثبت إذن أن عصر محمد علي لم يكن شيئاً جديداً كل الجدة في التاريخ، ولا هو مرحلة فاصلة بين عهدين، ولكنه امتداد لعصر مضى في صورة جديدة. . .

هو جزء من عصر المماليك تميز بخصائص ليست من عصر المماليك ولكنها نشأت عنها وتولدت منها واتسمت بسماتها العامة. . .

وقد انتهت هذه المرحلة من العصر المملوكي في ٢٣ يوليه الماضي، وبدأ الشعب يملي على التاريخ صفحة جديدة؛ فقد وجب إذن أن نضع الأسماء على مسمياتها ونسمي هذه المرحلة باسمها؛ ولن يكون اسمها أبداً كما أراد بعض محترفي التاريخ (عصر محمد علي)؛ فإن محمد علي لم يكن إلا واحداً من المماليك الذين بدءوا منذ عهد أيبك الجانكشير، ولم يكن خلفاءه إلا امتداداً لأسمه. . .

وقد اصطلح المؤرخون على تقسيم العصر المملوكي قبل محمد علي إلى قسمين: عصر سلاطين المماليك، ويبدأ من شجرة الدر إلى طومانباي المستشهد بأيدي الغزاة العثمانيين، ثم

<<  <  ج:
ص:  >  >>