المكافئة والجراية وبدل الغذاء وبدل الكتب، وهي مبالغ تخول لصاحبها حياة نظيفة، لو كان مخلصاً للعلم راغباً فيه مقبلاً عليه. وآسف جداً أن أقرر، أن ذلك فتح سوقاً نافقة للرشوة، وللاتجار بالضمائر والتلاعب في السجلات!
وكان هذا الانصراف عن الدرس، أخطر ما قضى على كيان الأزهر الثقافي قضاء تاماً، فليست الثقافة كتاباً يحفظ، وإلا كانت مصر في غنى عن الجامعات والمعاهد العليا، ولكنها تفاعل بين مستويات متباينة، يكون الفرد فيها قدوة لغيره في ناحية، ومقتدياً في نواح أخرى كثيرة، وباحثاً عن مثله الأعلى في هذا المحيط. وقد يجده فيه، وقد يجد في الطريق أو في محاضرة، أو في مكتبة أو صحيفة، أو في ناد أو في زمالة، وهي مواد لا توجد في محيط القرية المصرية بحال!
ماذا تنكرون مما أقول؟
إن المثقفين من شباب الأزهر يعرفون ما أعرف وزيادة. والفارق بيننا، أنهم يعالجون الأمر في مقالات ملساء، وأصوات خافتة، وهمسات ناعمة، أما أنا، فأرى أن الفساد أقوى من أن يزعجه النصح الضاحك، وأعتى من أن يوقفه الإرشاد الحي، وأخطر من أن نسكت عليه أو نساومه!
لقد خرجنا من الأزهر بعاهات مستديمة. . . عاهات أصبنا بها في عقولنا وفي ثقافتنا، وفي أذواقنا وفي شبابنا، ولن نرضى لأخوتنا أن يصابوا بها، أو أن يذهبوا ضحايا لها، ولن نيأس من الدعوة إلى الإصلاح أبداً، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
هذا هو الحق، لا تضطربوا!. . .
هذا هو الواقع، لا تنزعجوا!. . .
الجبناء وحدهم هم الذين يسكتون على ما يعرفون من جرائم وآثام!