للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مدة حَملٍ فكريٍ إذا هي أرادت الحياة لرغبتها، ليون لوقوعها وتحققها مثلُ الميلاد

ولكن الميلاد في قصتي لايكون لرذيلة هذه الفتاة، بل لفضيلتها. فان المرأة في رأيي - ولوكانت حياتها محدودةً من جهاتها الاربع بكبائر الاثم والفاحشة - لايزال فيها من وراء هذه الحدود كلها قلبٌ طبيعته الامومة، أي الاتصالُ بمصدر الخلق، أيْ فضائل العقيدة والدين؛ وما هو الا أن يتنبه هذا القلبُ بحادثٍ يتصل به فيبلغُ منه، حتى تتحول المرأة تحول الارض من فصلها المقشعر المجدب، الى فصلها النضر الاخضر

ففي قصتي تُذْعنُ الفتاةُ لصاحبها في يومٍ قد اعترتها فيه مخافةٌ ونزل بها همٌ وكادتها الحياةُ من كيدها؛ فكانت ضعيفة النفس بما طرأ عليها من هذه الحالة. وتخلو بالفتى وفكرها منصرفٌ إلى مصدر الغيب، مؤملٌ في رحمة القدر. ويخلبها الشابُ خَلاَبةَ رُعُونته وحبه ولسانهِ، فيعطيعا الألفاظ كلها فارغة من المعاني، ويقر بالزواج وهو منطوٍ على الطلاق بعد ساعة. فاذا اوشكت الفتاة ان تصرع تلك الصرعة دوي في الجو صوتُ المؤذك: (الله أكبر!)

وتُلْسَعُ الفتاة في قلبها، وتتصل بهذا القلب روحانيةُ الكلمة، فتقع الحياة السماوية في الحياة الارضية، وتنبه العذراءُ إلى ان الله يَشهدُ عارَها، ويَفْجَؤُها انها مُقدمةٌ على ان تُفيد من نفسها ما لا يصلحه المستحيل فضلاً عن الممكن، وترنو بعين الفتلة الطاهرة من نفسها إلى جسم بفيٍ ليستْ هي تلك التي هي؛ وتنظر بعين الزوجة من صاحبها إلى فاسقٍ ليس هو ذا الذي هو؛ ويَحْكي لها المكان في قلبها المفطور على الامومة - حكايةً تثور منها وتشمئو؛ ويصؤخ الطفلُ المِسكينُ صَرْخته في أذنها قبل ان يُولد ويُلقى في الشارع. . .!

الله أكبر! صوتٌ رهيبٌ ليس من لغة صاحبها ولا من صوته ولا من خِسته، كأنما تفرغ السماءُ فيه مِلء سحابةٍ على رِجْسِ قلبها فتنفيه حتى ليس به ذرةٌ من دَنَسِهِ الذي رَكِبَهُ الساعة. كان لصاحبها في حِس أعصابها ذل الصوتُ الأسودُ المنطفيء المبهم، المتلجلج مما فيه قوة شهواته؛ وكان للمؤذن صوتٌ آخر في روحها؛ صوتٌ أحمر مستعلُ كمْعَعَةِ الحريق، مجلجلٌ كالرعد، واضحٌ كالحقيقة، فيه قوة اللهّ!

سمعتْ صوتَ السلسلة وقَعْقَعَتها تُلوَى وتُشد عليها، ثم سمعتْ صوتَ السلسلة بعينها يُكسر حديدُها ويتحطم

<<  <  ج:
ص:  >  >>