للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانت طهارتُها تختنق فنفذتْ إليها النسمات؛ وطارت الحمامةُ حين دعاها صوتُ الجو، بعد أن كانت أَسَفتْ حين دعاها صوتُ الأرض. طارت الحمامة، لأن الطبيعة التفتتْ فيها لفتةً أخرى.

ويكرر المؤذن في ختام أذانه: (الله أكبرُ الله أكبر!) فاذا. . .

* * *

وتَبلدَ خاطري فوقفتُ في بناء القصة عند هذا الحد، ولم أدرِ كيف يكون جوابُ (إذا. . . .) فتركتُ فكري يعمل عمله كما تُلْهِمه الواعيةُ الباطنة، ونِمْت. . . .

ورأيتُ في نومي أني أدخل المسجد لصلاة العيد وهو يعجُّ بتكبير المصلين: (الله اكبرُ الله أبر!) ولهم هديرٌ هدير البحر في تلاطمه. وأرى المسجد قد عص بالناس فاتصلوا وتلاحموا؛ تجد الصف منهم على استوائه كما تجد السطؤَ في الكتاب، ممدوداً محتبكاً ينتظمهُ وضْعٌ واحد، وأراهم تابعوا صفاً وراء صف، ونسقاً على نسق، فالمسجد بهم السنبُلة مُلئتْ حباً ما بين أولها وآخرها؛ كلُّ حبة هي في لفٍ من اهلها وشملها، فليس فيهن على الكثرة حَبةٌ واحدة تُميزُها السنبلة فَضل يمييز، لا في الأعلى ولا في الأسفل

وأقف متحيراً مُتلدداً ألتفتُ ههنا وههنا، لا أدري كيف أخلُصُ إلى موضع أجلس فيه؛ ثم أمضي أتخطى الرقاب أطمع في فُرْجةٍ اقتحمها وما تنفرج، حتى انتهىَ إلى الصف؛ وانظرُ إلى جانب المحراب شيخاً بادناً يملأ موضع رَجلين وقد نفح منه ريحُ المسك، وهو في ثيابٍ من سُندُسِ خُضر. فلما حاذْيته جَمع نفسه وانكمش. فكأنما هو يُطوي طياً، ورأيت مكاناً وسعني غحططتُ فيه إلى جانبه وأنا اعجبً للرجل كيف ضاق ولم اضيق عليه، وأين ذهب نصفه الضخم وقد كان بعضه على بعضه زيماً على زيمٍ وامتلاءً على امتلاء.

وجعلتُ أْحدُسُ عليه طني، فوقع في نفسي انه ملك من ملائة الله قد تمثل في الصورة الآدمية فاكتتم لأمرٍ من الأمر

وضج الناسُ: (الله أكبرُ الله أكبر!) في صوت تقشعر منه جلودُ الذين يخشون ربهم، غير أن الناس مما ألفوا الكلمة ومما جهلوا من معناها - لا يسمعونها إلا كما يسمعون الكلام، اما الذي إلى جانبي فكان ينتفض لها انتفاضةً رحبتني منع رجا، إذ كنت ملتصقاً به مناكباً له؛ وكأن المسجد في نفضه إيانا كان قطاراً يجري بنا في سرعة السحاب، فكل ما فيه يرتج

<<  <  ج:
ص:  >  >>