المثالية في القصة إذا كانت ثورة على قيم زائفة وأوضاع خاطئة وصراعاً بين عواطف سامية وأخرى وضيعة، أما إن كانت استسلاماً مطلقاً لمشاعر بينة الانحراف فهي عيب لا شك فيه. فإغراق الأب في الوفاء لأولاد أخيه على حساب ابنته عاطفة زائفة، وتبرع زينب للتوفيق بين سيدتها وسيدها الذي تحبه هي نفسها شيء غريب، وما صنعه صالح في سبيل صديقه أمر يتنافى مع الكرامة والجد. وقل ذلك في سائر التضحيات التي تحفل بها هذه القصة. وأبطال القصة بهذه المثالية الزائفة يتنكرون لأنانيتهم ويذعنون لقضاء قيم باطلة تتحكم في مصايرهم دون أن يكون هناك على الأقل صراع عنيف قد ينتهي بالفشل أو النجاح، ولكنه في كلتا الحالين يؤكد إنسانية الشخصية وبطلان هذه القيم سواء خرجت من الصراع منتصرة أو مخذولة.
واختفاء الصراع القوي نتيجة لهذه الفضائل المفتعلة يفرض على المؤلف أن يختلق مبرراً لكل عمل يجانب - في رأيه - المثل الأعلى للسلوك الفاضل؛ فأميرة تحب عبد العزيز وتنصرف عن ابن عمها لا لأنها أحست ميلاً فطرياً نحوه، ولا لأنها إنسانة يمكن أن تتحول مشاعرها إذا ما لقيت رجلها المنشود، لا. . . فإن ذلك لا يتسق مع العالم الفاضل الذي يرسمه المؤلف إذن فليكن ابن عمها شاباً (ألذ الأوقات التي يقضيها في أربع وعشرين ساعة وقت يمضيه عند الحلاق أو في الحمام أو واقفاً أمام واجهة أحد المحال ليرى أكثر الألوان انسجاماً على ذوي الوجوه البيض. . . يجيد التحدث عن الأفلام ويحفظ أسماء الممثلات خاصة حتى لقد نظمت إحدى المجلات الأسبوعية مسابقة عويضة الموضوع فكان الفائز فيها. وكانت هذه المسابقة هي أن رسمت المجلة عشرة أزواج من عيون الممثلات بين غربيات ومصريات وكتبت في أعلى الصفحة (أتستطيع أن تعرفهن من عيونهن) وكان الأستاذ سامي هو الذي عرفهن جميعاً بما له من عبقرية. . . يمضغ الكلمة مرة أو مرتين قبل أن يتفضل بها عليك فيخرجها من فمه ثم يرسلها من بين شفتين تأخذ سفلاهما وضعاً وتأخذ علياهما وضعاً آخر عند مخرج الكلمة. يحرك عنقه بتقدير لأنه يخاف على بنيقة قميصه المنشاة أن تنكسر، وعلى عقدة رباط العنق أن تتحول الخ) وهكذا يجد المؤلف عذراً لبطلته إذا ما انصرفت عن ابن عمها المخنث إلى الفتى الجاد المستقيم دون أن يمس ذلك ما ينبغي لها من عفة العواطف ومثالية الأحاسيس، وهذا بعينه ما فعله