السباعي في قصته (إني راحلة) حين وصف زوج بطلته بأقذع من هذا ليبرر فرارها منه إلى حبيبها. وإذا جاز للوالد في قصة السباعي أن يزوج ابنته لهذا المخنث سعياً وراء الجاه والمال فكيف جاز للوالد في قصتنا هذه أن يرتكب هذا الإثم وهو الأديب الكبير والقصاص الخبير بدخائل النفوس ولم يكن له من وراء ذلك مغنم؟ وكيف استباح أن يقول لابنته (إن سامي شاب لا أرى فيه ما يمنع أن يكون زوجاً لك) وفيه تلك الخصال الذميمة التي وصمه بها المؤلف! إن أية فتاة في موقف أميرة يمكن أن تحب أي فتى يعترض سبيلها ما دام فيه شيء من رجولة تناقض ما في سامي من تخنث. وعندئذ يكون حبها فراراً من خطيب خلا من كل ما يجتذب المرأة لا استجابة لشعور طبيعي بأن في ذلك الرجل مقومات الرجولة المتمثلة في نفسها. وتلك عاطفة لا يمكن أن ترضي المحبوب ولا تتأصل في نفس المحب. لذلك خلت القصة من الصراع الجدي الذي يخلق من المواقف والمشكلات ما يعقد الأحداث ويرتفع بالأزمات النفسية إلى مستوى يتجاوب معه القارئ وينفعل به. فالقصة تمضي هادئة رتيبة، انتظار من عبد العزيز لمقدم أميرة وأبيها إلى القرية، ومناوشات عاطفية غامضة مكبوتة، ثم رحيل مفاجئ إلى القاهرة، ثم انتظار جديد من عبد العزيز، ثم عودة من أميرة. والبطلان في كل ذلك لا يكادان يبذلان أية محاولة جدية للتغلب على ما في طريقهما من صعاب. ومن العجب أن تتخاذل أميرة وتستسلم لمصيرها المحتوم في مثل هذا الفتور وقد صورها المؤلف ذات شخصية قوية يهابها عمال المزرعة أكثر مما يهابون أباها.
هذا عن شخصيات القصة وطابعها العام. أما بناؤها الفني وتسلسل حوادثها ففيها أيضا كثير من التكلف. وترتيب الوقائع كما يشتهي المؤلف لا كما يقتضي منطق الواقع وطبائع الأشياء. وأضرب لذلك مثلين: الأول حين يكتب عبد العزيز إلى صديقه صالح في القاهرة يطلب إليه أن يراقب أميرة ليعرف مدى علاقتها بابن عمها سامي. ودعك مما في هذا الطلب من غرابة ومما في استجابة الصديق له من تبذل، وأنظر كيف تسنى لصالح أن يعرف أن أميرة تحب صديقه عبد العزيز. لقد انتظر أمام بيتها عدة أيام دون طائل ثم أسعفه الحظ فرآها خارجة مع أختها الصغيرة. وتسأل الصغيرة عن سر نزولهم إلى القاهرة بلا سيارة فتجيبها: أتعتقدين أنه من الضروري أن يركب كل الناس سيارة خاصة. .