سنركب القطار والترام. ونفهم من هذا الحوار أن هذه كانت أول مرة تخرج الفتاتان فيها بلا سيارة، لا لشيء إلا ليتيح المؤلف لصالح أن يتبعهما. ثم تدخل الفتاة مسكناً في الطبقة الأولى من إحدى العمارات عرف صالح أن ساكنه يحترف قراءة الكف. وهكذا يقتضي تلفيق الحوادث مرة أخرى أن تختار الفتاة هذا اليوم من بين الأيام جميعاً لتستشير العراف في أزمتها العاطفية وأن يكون مسكنه في الطابق الأول حتى لا يتكلف المطارد من أمره عسراً. .! ثم تدخل السينما فيوفق الحظ (صالح) فيجلس بالقرب منها ثم تكون المفاجأة الأخيرة حين تصور القصة على الشاشة مأساة عبد العزيز وأميرة، ويلتفت صالح فإذا هي تكفكف دمعها بمنديلها الأبيض فهي إذن تحب صديقه عبد العزيز!
أما المثال الثاني فحين يستشير عبد العزيز صديقه صالح (قاموس الحب) ماذا يفعل حتى تصرح أميرة بحبها له فيشير عليه بأن يثير غيرتها، ودعك من سذاجة هذه النصيحة وانظر كيف رتب المؤلف الحوادث بعد ذلك. تقدم أميرة إلى العزبة في إحدى زياراتها المتقطعة، ولأول مرة نرى بصحبتها صديقة (مرحة طائشة ذات ضحكة ناعمة، وصنوعة الزينة الخ. . .) ويفهم القارئ بلا عناء أن المؤلف قد ساق هذه الفتاة إلى القرية وصنعها بهذه الصورة ليطبق عليها عبد العزيز الدرس الذي تلقاه من صديقه. وهكذا كان. . . وفي لمحات خاطفة اشتبك الاثنان في غزل صريح مكشوف دون مقدمات لينتهي المؤلف من غايته سريعا فيثير غيرة أميرة. وقد كان المؤلف يستطيع ألا يقدم لهذه التجربة بتلك النصيحة من صالح وكان يستطيع أن يصور الزائرة طيبة متزنة وكان طبيعياً حينئذ أن يحتفي بها عبد العزيز إكراماً لها كزائرة وأن تضيق صاحبته بهذه الحفاوة فيفطن إلى هذه الحقيقة النفسية البسيطة ويمضي في استغلالها، ويكون الموقف عندئذ من واقع الحياة. لا من (القاموس).
وبمناسبة الحديث عن القاموس نحب أن نقول كلمة قصيرة عن لغة القصة وأسلوبها؛ فالمؤلف حريص أشد الحرص على الأسلوب العربي الرصين الذي لا يتلون كثيرا باختلاف المواقف والأشخاص. وهو يفضل الحوار العربي على العامي ولو كان الأخير أقدر على تصوير الشخصية أو الموقف. وقد يكون في هذا مجال لاختلاف وجهات النظر ولكني لا أستطيع أن أقره على استعمال (المحط) مثلاً بدل (المحطة) تلك الكلمة الحية