- فيم تفكر يا أبي. . ألا تخلع ملابسك وتمضي معي إلى المائدة؟
ورفع إليها بصره، وعلقت عيناه بوجهها الجميل. . وفي لحظة واحدة. . أحاط بكل ما كان يدور بذهنها. . وكانت تحدث نفسها قائلة:
- إن أبي يقف حجر عثرة في سبيل سعادتي. . فهو لن يرضى مطلقاً عن زواجي ممن أحب لأنه يريد لي زوجاً ثرياً. . إنني لا أحب أبي. . والفرار مع من أحب هو السبيل الوحيد لتحقيق سعادتي!
أذهله ما قرأ من تفكير ابنته. . وهاله ألا يكون نصيبه من جملة مشاعرها سوى شعور الكراهة والبغض، وأن ينحط تفكيرها إلى حد أن تزمع الفرار مع شاب غريب. . غير عابئة بالألم والعار اللذين يخلفهما فرارها لأبيها! وعجب لأنه عاش ردحاً من الزمان بين زوجة تخدعه، وابنة لا تتردد في أن تثلم شرفه وتمرغه في العار وقالت له ابنته.
- لم تنظر إلي هكذا يا أبي؟
أجابها!
- لا شيء يا ابنتي، لا شيء.
. . وخلع ملابسه ومضى معها إلى المائدة. . فرأى هناك ابنه. . ابنه الذي وقف على مستقبله سعادته وآماله. . واستملى من وجهه نظرة عابرة ألمت بأفكاره كلها. . وكان يقول لنفسه:
- إن أبي قوي البنية شديد الأسر. . وقد يدركني الموت ويتخطاه. . فكيف السبيل إلى الخلاص منه لأرثه. . سأدس له السم في كوب الشاي الذي ألف أن يحتسيه عصراً. . وسوف لا يدور بذهن أحد أنني الذي فعلت ذلك. وإنما سينصرف الذهن إلى أن تناول الشاي في الخارج. .
وتحدر بصره عن وجه ابنه. . ابنه المجرم الذي يريد أن يغتاله. وأحس بالألم الممضي يعتلج في صدره وشق عليه الأمر فنهض دون أن يقرب الطعام وارتدى ملابسه وانطلق إلى الطريق!
وفي الطريق قابله بعض الأصدقاء وقرأ في وجوههم ما يضمرون له. . فرأى أنهم خبثاء كذابون مخادعون. . رأى أنهم يريدون أن يغشوه. . أن يسرقوه. . أن يدنسوه. .