- أقسم لك يا سيدي أنني أخسر إن بعتها بأقل من عشرين قرشاً. . من أين يأكل رجل فقير مثلي رب أسرة كبيرة إذا لم يربح ربحاً حلالاً من رجل كريم مثلك. . أقسم لك أن هذا هو الثمن الذي أبيعها به لكل إنسان. . فأنا لا أفرق أبداً بين زبائني!
وكان يعلم أنه يغرر به فقال له:
لا تجهد نفسك فلن أدفع أكثر من عشرة قروش ومضى في سبيله، وما كاد يخطو بضع خطوات حتى تناهى إليه صوت البائع يقول:
- تعال يا سيدي. . هات العشرة قروش. . عوضي على الله: علم الله أنني أخسر فيها!
ولج به السرور عندما ذكر أنه اعتاد أن يبتاع نظائر لها بأضعاف هذا الثمن، لأن الباعة كانوا وقتذاك يخدعونه ولكنه ابتداء من اليوم لن يستطيع أحد خداعه أبداً!
ونقد البائع الثمن وحمل (البطيخة) على ذراعه ومضى!
وبلغ البيت، واستقبلته زوجه بابتسامة آسرة رفت على شفتيها وقالت له في صوت يسيل رقة وعذوبة:
- يا زوجي الحبيب!
وتطلع إلى وجهها. . . وفي نظرة واحدة بلغ ما لم يبلغه في سنوات طوال. . . وكانت تتواكب في ذهنها هذه الخواطر.
لم عاد هكذا سريعاً؟ لشد ما أبغضه! لو يدري هذا الرجل أنني لم أشعر يوماً واحداً ولا لحظة واحدة بأنني أحبه. . لو يدري أنني أخدعه وأخونه!
هاله ما قرأ من أفكارها. . وكانت الصدمة أن تذهب برشاده، وتطيح بلبه بعد أن تحقق له أنه كان مخدوعاً فيها. . وكان قد حول بصره عنها فعاد وصعده في وجهها الذي بدت عليه البراءة والسذاجة. . وشعر بالامتعاض والتقزز حينما مر بذهنه خاطر خيانتها. . وعجب لامرأته كيف تحمل وجهاً صافياً ونفساً كدرة كالماء الآسن. . وزخرت بالألم نفسه، ونهش الحزن صدره، وأنسرقت قواه فتهالك على المقعد في تراخي بدن مجهد. . وأحس بيد ناعمة تعبث بشعره وطرق سمعه صوت ابنته الحبيبة تقول له: